ثقافة

القاصة التونسيّة نورة عبيد: أكلتنى العاصمة .. وخذلتنى الجامعة

رحلة داخل مبدع 4

 

حوار: صلاح صيام

داخل كل مبدع رحلة قطعها –بحلوها ومرها- ليصل إلى المتلقي الذي غالبا لا يعرف عن هذا المبدع شيئا إلا ما يصل إليه من إنتاجه الإبداعي. وفى هذه السلسة نرصد حياة المبدعين، ونخوض فى أعماقهم علنا نقدم للأجيال الحالية، التى فقدت البوصلة, وأصابها شيء من الإحباط.. صور مشرقة تعينهم على تحمل متاعب الحياة، وتكون نبراسا لهم فى قادمهم..

واليوم ننهى رحلتتنا مع المبدعة التونسية نورة عبيد..

“من القراءة إلى القلم بدأت رحلة أخرى بالصحف والبرامج الإذاعيّة المهتمّة بالشباب والمجلات والمراسلات، واحتّدت الأسئلة مع بلوغ المرحلة الجامعيّة والتخصّص في دراسة اللّغة والآداب العربيّة بكليّة العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة بتونس، وارتبطت بالخروج من الريف إلى العاصمة؛ تونس.. هناك تعمّقت التجربة وانكسرت على حدّ السّواء. لم تكن الجامعة بمستوى تطلّعاتي الإبداعيّة والثقافيّة والسياسيّة، وجدت جامعة اجتاحها الطالب التّجمعيّ الموالي لنظام بن عليّ والأستاذ التجمّعي.. وأنا عاندت أبي وعائلتي في اختيار هذا الاختصاص، طمعا في تجربة جامعيّة شبيهة بتجارب وردت بالروايات والكتب وأحاديث أساتذتنا عن أعلام الجامعة التونسيّة في اختصاص العربيّة، ولكن وجدت أساتذة عاديين مدرسيين لولا أن أعجبت أوّل أقصوصة نشرتها “همس الكرسيّ الخشبيّ” الأستاذ الجليل الخالد -رحمة الله عليه– توفيق بكار، فحباني بلقاء النصوح أن إقرئي كثيرا لتكتبي، فلا يوجد كاتب كبير وكاتب صغير، يوجد كاتب فقط أو لا كاتب.

أكلتني العاصمة.. مسرحها ودور السينما والملتقيات والمنتديات ومقاهيها وصحفها،وعليّ أن أنجح.. حتّى بالجامعة أنشأنا صندوقا للكتاب مع أقراني من الطلبة المهتمّين وزاد العمل ونقص الأمل، أخوض تجربتي متردّدة بين عنف المدينة وسذاجة الرّيف،بين منشود التحصيل الثقافيّ الشامل من أفق معرفة واسع وبين تطاحن المثقفين وغبنهم وتفاهاتهم ومشاحناتهم.. أخلاقي الريفيّة لم تستسغ أخلاق العاصمة المتمازج المستباح في ظاهره، الأصوليّ في باطنه.

في العاصمة تعمّقت التجربة الأدبيّة وآمن بي أساتذة مختّصون، حتّى طبع كتابي الأوّل؛ “بوابات على ديدان النسيان”.. مجموعة شعريّة 1999 ولا زلت طالبة وكان الفضل للأستاذ محمد البدوي، صاحب برنامج “واحة المبدعين” بإذاعة المنستير” يومها.. كتابي الأوّل كان مفاجأة.. هربت إذ مثل بين يديّ فأنا أتهيّب النشر كثيرا.

في تلك الحقبّة الجامعيّة عمّقت المنيّة وجعي؛ فقد غيّبت جدودي الأربعة، سحب الودّ وانكسر الخاطر فطفا اسم أمّي ناجية، وما من مجيب.

وجدت في كليّتي مهربا، فتسلّلت إلى قسم الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس والتاريخ و… تدرّبت بالعاصمة على التّنزّه في رحاب المكتبات والشوارع التي تعرض الكتب القديمة… وبات للكتاب روائح وطقوس، وللعناوين إغراء لا يردّ، ومن المثقفين نفور حذر. ضاق ذرعي بالمدينة والحياة وذويت في يأس من بلادة الساحة الثقافيّة القائمة إمّا على المحاباة أو الجرأة.. وأنا أفتقد لكليهما فغبت لأقرأ وأكتب في صمت.

نفرت ممّا رأت عيني من خصومات ودسائس بين المثقّفين. شاهدة أنا كيف تنحّى “الصغير ولاد حمد” -رحمة الله عليه- من مدير لبيت الشعر وآلت ل”منصف المزغنّي”. نفرت من عاصمة رأس مالها الثقافيّ مسرح وبعض المقاهي ومهرجانات وملتقيات مكرّرة تفتقد دائما إلى التجديد.. ولكنّني أيضا أذكر كيف منحتني العاصمة فرصة ملاقاه كبار الشعراء والأدباء والفنانين التونسيين والعرب والعالميين. لا أعرف كيف أرهقني العالم، كمشرط مغروس في أمّ رأسي، وكمدية مشحوذة بصدري صمت خمس عشرة سنة، ومضيت إلى التدريس مولعة بالتعليم والتعلّم ولا أعرف كيف عدت.. عدت إلى الساحة الأدبيّة 2014 لأكتب وأشارك وأنشط حتّى نشرت رواية تشاركيّة “نوبات” مع الروائيّ “معاوية الفرجاني 2019 وتحصّلت على جائزة الطاهر الحدّاد لأدب المرأة عن مخطوطي القصصيّ “مرايا التراب قصص التّفاصيل المنسيّة” مارس 2018 وطبع 2019 طبعة أولي و2020 طبعة ثانية.

الإبداع قدر، سبقني وعدت إليه عبر الكتابة.. هي ورطة.. ورطة حقيقيّة أقول دائما في قلق: “فيم هذا التّعب؟” وأدرك في القرار أنّ هذه الورطة أنقذتني من السذاجة، ودرّبتني على الموت، حتّى إنّني ودّعت أبي آخر المصطفين في هودج الرواية.. كان يروي لي كلّ مساء ما استطاع وارتضى من تجربته وحكمته، فكان توديعه مؤقّتا؛ لأننّا حين نلتقي وسنلتقي سيواصل الرواية.

اظهر المزيد

صلاح فضل

جاهدنا واجنهدنا لمواصلة مسيرتنا الصحفية عبر (بوابة الشريان) للعام الخامس على التوالي مع اقتراب حلول العام الجديد 2024 حرصا منا على تقديم خدمة صحفية ملتزمة بالدقة والموضوعية فيما طرحناه ونطرحه منذ بداية تحملنا تلك المسؤلية انطلاقتها في 2019 وهذا الالتزام جعلنا أصحاب رؤية صائبة في كل ما قدمناه من خبرات عالية من خلال استقطاب كبار الكتاب والصحفيين المتميزين ممن ساهموا وتعاونوا بحب وتفان دون اي مقابل مادي سوى الحب المتبادل فقط لاغير وهم لا يأ لون جهدا لاستكمال هذه المسيرة واسرة التحرير تقدر جهودهم الجبارة في بلاط صاحبة الجلالة فهنيئا للقراء الأعزاء والجديد في هذه النسخة اضافة (قناة الشريان) تضم حوارات ومنوعات وافراح وما يستجد من فيديوهات مختلفة ومبتكرة
زر الذهاب إلى الأعلى