استيقظت مبكراً لان المفروض أن يتحرك الباص الساعة التاسعة حتي نلحق صلاة الجمعه في ابي الحسن الشاذلي ( رضي الله عنه).. الافطار كان طعمية وبيض وخبز مُميز وشاي بالنعناع، وطبعا اتأخرنا واحنا بنفطر من كثرة الحكي ( وساعة الحظ ماتتعوضش) الكلام مُسلي ولطيف والغريب انه بالرغم من انها المرة الاولي التي نلتقي فيها، لكني كنت اشعر بالألفة كأني أعرفهم من زمن.. استقلينا الباص الساعة العاشرة تقريباً، وبدأت الرحلة وفي الخلفية (حزب البحر ) بصوت جميل وعَمّ الصمت وساد الانصات للحزب ..
توقعت أن المسافة قصيرة بين القُصير وحُميثرة، ولكني قرأت لوحة تقول انها حوالي 230 كيلو متراً كالمسافة بين القاهرة والإسكندرية تقريباً، أنشغلت بالطريق الملئ بالجبال الوعِرة ، وتخيلت كم المشقة التي كان يقطعها الشيخ أبو الحسن ومريدوه وهم يمتطون الجِمال سنوياً في رجب من كل عام للحَج، الي أن كانت الحجة الاخيرة عندما طلب أبو الحسن الشاذلي من مساعده ( يقال إنه المرسي أبو العباس لأنه كان تلميذه وهذا غير مؤكد) أن يأتي معه بفأس وحَنوط( مسك وكافور يُستخدم لتطيب الميت) وقُفَه ..وعندما سأله عن السبب رد عليه بالعبارة الشهيرة ( في حُميثرة سوف تري)
وبالفعل عندما وصل اليها اعتلي الجبل وصلي ركعتين وقُبِض في الركعة الثانية ودٌفِن فيها في عام 656 هجرية ..د.عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق له كتاب لطيف جدا عن أبي الحسن الشاذلي بيحكي فيه الكثير عنه..
انشغلت بافكار كثيرة طوال الطريق بعد انقطاع النت والاتصالات عن الموبايل، لم يكن هناك وسيلة لطئ الملل غير النظر الي اللاشئ..
وصلنا الواحدة والنصف تقريباً ولم نلحق صلاة الجمعه، اتفقنا ان ننطلق ونتقابل ف الساعة الرابعة، تخيلت من بُعد المسافة انه سيكون خالياً، المكان كان مزدحماً بشكل غريب وعربيات من كل حدب وصوب، والمسجد في موقع فريد بين الجبال تحفة معمارية، جلسنا كثيراً داخل الضريح وحَضِرة الذكر تملأ الأرجاء..
بعد الزيارة والصلاة قال بهاء عبقري التصوير نطلع الجبل، حيث كان يعتكف الشيخ ابو الحسن الشاذلي ولم اكن أعرف انها من طقوس المكان ، واحنا طالعين صديقتي د. هاله كانت بتجمع بعض الزلط وعندما سألتها عن السبب؟ حتي اعود مرة اخري ..
جلسنا علي الجبل كأننا في لحظة تأمل(meditation) كل واحد مع نفسه ومع حاله.. وبعد صلاة العصر نزلنا نشتري حاجات بقي فلفل اسود كمون بخور سبح حلويات ..
وقبل المغادرة قعدنا في قهوة لنشرب ( جِبنة) بكسر الجيم وهي قهوة بجنزبيل تُوضَع في اناء مُميز ويتم تصفيته بالقش لذيذة جداً..
الزيارة كانت مريحة ولطيفة والوقت كان ممتعاً وانا كنت متفائلة، قررنا نمشي بدري لأن الطريق فيه اصلاحات وملئ بالمطبات، اتحركنا الساعة الخامسة مبسوطين وعيونا بتضحك مبسوطين ..
بعد ساعة تقريباً من الطريق عاد النت للموبايل بنظرة عليه اكثر من 20 مكالمة تليفون ومثلهم ماسينجر !! (وروبي بتغني طب ليه بيداري) خُفت ماذا حدث؟ قبل ماكمل، مكالمة وخبر مُفزِع بصوت بارد ، كان علي أن أعود الي القاهرة فوراً، فَصَلت تماما عما يدور حولي!! وكل تفكيري كيف اسافر الي القاهرة من القُصير؟ والأغاني في الباص خنقتني وأفكاري مشوشة ؟
العاشرة مساءاً وصلنا الفندق جمعت اشيائي علي عجل ونزلت اسأل عن موقف السيارات، حاولت ايمان تبحث لي عن اي وسيلة مواصلات مباشرة للقاهرة ولم تنجح في ذلك، طلبت منها فقط ان اي حد يوصلني الموقف..
القُصير مدينة صغيرة وآخر اتوبيس للقاهرة الساعة 9 مساءاً، لم يكن أمامي غير أني أركب حاجه للغردقة ومنها اي وسيلة أخري للقاهرة..
في موقف السيارات وجدت باص واحد فاضي ولازم ينتظر حتي يمتلئ، جلست فيه شوية ولم استطع الأنتظار ، نزلت منه ابحث عن حاجه اسرع .. عربية بيجو قديمة ينام بداخلها السائق بجلباب أبيض، صَحيته من النوم ممكن توصلني الغردقة؟ رد علي بتعبير غريب هتشتري العربية؟ يعني ايه؟
هتدفعي تمنها كلها ؟ قلتله عايز كام ؟ رد 500 جنيه..تمام يالا بينا.. بس هتوصلني موقف الباصات ، رد بصوت أجش طيب!!
تنفست الصعداء بعد اربع ساعات من السير بعربية قديمة وسط جبال لاتنتهي وظلام دامس وسائق زهقان من نفسه، وصلت الغردقة وافقت علي صوته بيقول: انزلي اركبي تاكسي علشان مش هقدر ادخل الكهف!!
كهف ايه؟ الموقف بتاع الباصات!!
انا كنت قلقانة من صوته وطريقته والساعة واحدة بعد منتصف الليل، وانا بحمد ربنا انه لم يقتلني..اخدت الشنطة ونزلت وبعد معاناة وجدت تاكسي، ممكن توديني الكهف؟ وافق ويبدو اني صعبت عليه..
في الموقف وجدت آخِر باص نازل القاهرة.. ركبته وانا مش مصدقة وافتكرت فاتن حمامة في فيلم ( أرض الأحلام) لما العرافة قالت لها: “الليلة دي هتدوخي السبع دوخات”
وقد كان عشر ساعات وانا بتمني أن تنتهي الجبال والبحار ويختفي الظلام.. وجاء الصباح وانا في القاهرة علي موعد مع ترتيبات وطقوس الموت..
طيب ليه يا ابو الحسن كده ده انا بحبك..