تابع الرحلة – صلاح صيام:
داخل كل مبدع رحلة قطعها – بحلوها ومرها- ليصل إلى المتلقي الذي غالبا لا يعرف عن هذا المبدع شيئا سوى ما يصل إليه من إنتاجه الإبداعي, وفى هذه السلسة نرصد حياة المبدعين، ونخوص فى أعماقهم علنا نقدم للأجيال الحالية، التى فقدت البوصلة, وأصابها شيء من الإحباط, صورا مشرقة تعينهم على تحمل متاعب الحياة, وتكون نبراسا لهم فى قادمهم.
اليوم موعدنا مع الكاتبة السودانية مناجاة الطيب التى بدأت بقولها:
ليس اصعب على الانسان من العودة لنقطة البداية ،فقد تسقط اشياء عن الذاكرة فتحدث شرخا قد تتم معالجته بمهارة الاستنتاج قبل وبعد لتكتمل قصة غير بعيدة التفاصيل ، كل ذلك يحدث عند غياب دفتر المذكرات الذي لا يترك كبيرة ولا صغيرة الا ويتم تدوينها ،لا انكر ان فكرة دفتر المذكرات كانت تأخذني ولكنني لم اكن اجرو على الاقدام عليها فبعض الذكريات لا نتمنى ان تلازمنا ونتمنى ان نعود ونمحها من الوجودواذا تعمدنا تجاهل تسطيرها لا تستقيم القصة وتفقد كل طعم حملته ونكهة فهي اما تترك كلها واما ان تؤخذ كلها .
لم تكن بدايتي في الحياة تحمل اي نبوءة من احد بانه سيكون لي شأن او مستقبل في شئ يميزني حتى يتم دعمي، فان تكن انت الوحيد في اهتمامك في محيط اسرتك فهي اول المصاعب . . احببت القراءة والاطلاع في وقت مبكرا رغم انني قضيت عامان في فصول الدراسة اتوعك في القراءة بطلاقة ولكن الكم الهائل من الصحف والمجلات والكتب الموجودة في منزلنا سرعان ما اعانوني على اجادة القراءة فانطلقت اقرأ كل ما تقع عليه يداى خاصة مكتنزات شنطة الحديد الخاصة بجدي التي كان يضع بها امتعته الخاصة ايام خدمته بالجيش، وعندما تقاعد بعد ان امتد به العمر صارت مخزن مصغر يضم سلسلة الالغاز البوليسية كاملة وكانت الشنطة موصدة بطبلة ضخمة بعد ان آلت ملكيتها من خالي لخالتي ولم يكن هناك من يقترب منها حيث كانت موجودة في ركن قصي من غرفة كانت عبارة عن دكان بقالة تم جرده فاغلق وضم لخارطة المنزل ليصير مخزنا للاغراض نادرة الاستعمال ، المهم انني وجدت طريقة اتعامل بها مع الشنطة دون الاقتراب من الطبلة ( حرفنة )واخذت اسحب كتاب تلو كتاب لقرأته وارجاعه بعيدا عن الاعين فهناك من يرى ان القراءة شئ لافائدة منه للفتاة وافضل لها ان تساعد في الاهتمام بالاعمال المنزلية مثلما تفعل فلانة وعلانة من بنات الاهل او الجيران وهن في مثل سني مما جعلني اتضايق من ذكرهن دون ذنب جنينه غير مقارنة اهلى لي بهن و رغم اعتقادي وثقتي التامه على انني احسن منهن ويزداد ذلك الاحساس عندما كنا نتجالس وارى فيهن انبهارا بما احكيه لهن نتاج قراءاتي واطلاعي على الكتب والمجلات والصحف. . كل ذلك وانا لم اتجاوز الثانية عشر بعد من العمر كانت امنيتي ان اصبح في يوم من الايام شيئا مرموقا ،وكنت ارى ان بداية طريقى يكمن في القراءة , كنت احب القصص خاصة قصص ألف ليلة وليلة ويحلو لي التجوال مع ابطال القصص داخل ذلك العالم الافتراضي ثم قررت ان يكون لي ابطالا طوع يدي انسج لهم المواقف والروايات وتلك كانت البذرة الاولى لاصبح مؤلفة قصص , ولكن عندما يسألني احد ماذا تحبين ان تصيري عندما تكبرين ؟ اقول عالمة ذرة متأثرة بمدام كوري وبعض قصص العلماء والمكتشفين ..ولكن سرعان ما خبأ تلك الامنية وصارت الامنية الاكثر اثارة بالنسبة لي ان اصبح صحفيةوبالتحديد في قسم الحوادث لتتبع القضايا الغامضة وفك طلاسمها مع الشرطة واستمر ذلك الحلم يكبر كل يوم الى ان صار حقيقة ولكنه غير مكتمل تماما فالواقع قد يخالف كل ما يرسم وينسج في دنيا الخيال والامنيات المثالية ، فعندما اتيحت لي الفرصة وكنت وقتها في سن مبكرة صدمت بالادوات المستخدمة في ذلك العالم والتي حتما لن اجيدها لانها تخالف كل ما تشربته من مثل وقيم لا يمكنني التمرد عليها او مخالفتها وذهبت وما عاد حلم الصحافة هو المفضل بالنسبة لي فقد كان ملئ بالكذب والتملق والنفاق فقد ولجتها في اسوأ مراحلة من مراحلها في بلدي فيد الرقيب كانت تطبق على الانفاس واكتشفت شيئا عجبا ان لا وجود للسلطة الرابعة في وطني فكله بامر الحاكم وهو ليس كما رسمه لي خيالي بانه يكافي من ينصحه ويعاقب المفسد.. ابدا انه شخص يطلق قبضته عبر اناس يحملون ابتسامة صفراء كذوب اشبه ببروز أنياب الليث حين يبتسم …المهم ايقنت بانه ليس مكاني وان علي مغادرته للبحث عن نفسي وعن ذاتي بعيدا عنه ،وعدت مرة اخرى لعالمي المحبوب عالم الاطفال هم البذرة وهم الحل لكثير من مأذق الشعوب إذن لتكن سكتي الجمع بين اثنين احبهما الصحافة وأدب الاطفال وقد كانت لي تجربة سابقة واليمة مع مجلة اطفال اسمها صباح كانت تحمل ملامح مجلة ماجد لولا رداءة الورق والطباعة كانت سودانية الملامح عملت بها شهور كأصغر سكرتير تحرير الى ان فؤجئت ذات يوم برئيس التحرير يسلمني خطاب ينهي خدمتي والصراحة كانت خطوة متوقعة لبعض المواقف غير المرنة من جانبي فقد كنت اتجاه واحد وحقانية اكتر من اللازم ولكن رغما عن ذلك فقد اصبت باحباط وخيبة امل منعتني من مواجهة اهلي بما حدث لي.
ونكمل فى الحلقة القادمة إن شاء الله