مقالات

صحابى رأى الرسول فى المنام !

نفحات الجمعة بقلم صلاح صيام

هو: خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبدشمس بن عبد مناف يلتقي نسبُه مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في الجد الثالث.

ولد في بيت تبدو عليه دلائلُ النعمة والشرف، وله من السيادةِ والمجد والأدب نصيبٌ، وهذه هي إرادة البارئ – عزَّ جاهه ولا إله غيره.

طلعت الشمسُ ذاتَ يوم على بطحاء مكة، وإذا بالأخبار تتوالى على مسامعه أن أمرًا عظيمًا قد حدث: إن السماء قد اتصلت بالأرض في صورة وحيٍ وشرعٍ جديد؛ لينقذ البشريةَ من الظلمات إلى النور، والمختار لتلك المهمة العظمى هو: محمد بن عبدالله، خير خلق الله – صلوات الله وسلامه عليه – يسمع خالدٌ هذه الأخبارَ في سكون مهيب، وصمت وديع، وسرورٍ عظيم، وما كان له أن يُظهِر ما يشعر به من تصديق وإيمان فجأة؛ فإن مكة وقتها كانت مشدوهة فزعة بسماعها الخبر؛ لأنه يهدِّد مجد الآباء والأجداد الضالين.

والجدير بخالد أن يُديِم الصمت، مترقبًا ما يحدث من ردود الفعل؛ لعل الله يُحدِث بعد ذلك أمرًا، وكل مؤمن يوقِن بأن كل شيء بقضاء وقدر، وأنَّا أمرنا بالأخذ بالأسباب؛ فلا تقديم ولا تأخير، ولا زيادة ولا نقصان: ﴿ كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ﴾ [الإسراء: 58].

وقد أراد الغالب على أمره أن يقترب الإيمانُ من قلب خالد؛ فيَصِل إلى شَغَافه، ولا يستطيع أحد له دفعًا.

وفي ليلة هادئة – سرى نورها، وانتشر عبيرها – يأوي الشابُّ إلى فراشه، ولا يدري ما خبأه له القدر من شرفٍ عظيم، ومجد كريم، رأى – فيما يرى النائم – أنه واقف على شفير نار عظيمة، وأبوه من ورائه يدفعه بكلتا يديه نحوها، ويريد أن يطرحه فيها، ثم رأى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يُقبِل عليه ويجذبه بيمينه المباركة من ثيابه، فيأخذه بعيدًا عن النار المتأجِّجة واللهب الرهيب، ويصحو الشاب قلقًا مسرورًا، وما هي إلا لحظات حتى أطلَّت الشمس بشعاعها على دُور مكة وشِعَابها؛ فيتوجه خالد إلى أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – ليقص عليه رؤياه، وإن كان قد استقر في فؤاده أن لها شأنًا عظيمًا؛ فما مِثلُها بأضغاث الأحلام، وها هو أبو بكر الصديق يؤكِّد له ما استقر في قلبه، وتشبث بفؤاده، قائلاً: “إنه الخير أُرِيدَ لك، وهذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فاتَّبعه؛ فإن الإسلام حاجزك عن النار”، وينطلق خالد باحثًا عن صاحب الدعوة الهادية – صلى الله عليه وسلم – حتى يهتدي إلى مكانه؛ فيلقاه ويسأله عن دعوته، فيجيبه – عليه الصلاة والسلام -: ((تؤمن بالله وحده، ولا تُشرِك به شيئًا، وتؤمن بمحمد عبدِه ورسولِه، وتخلع عبادة الأوثان التي لا تسمع ولا تُبصِر، ولا تضرُّ ولا تنفع)).

إن الدعوة في يُسرها وبساطتها وسماحتها، لا تجد العقول أمامها مُسَوِّغًا لشيء من الجدل العقيم الذي يجلب على صاحبه ضررًا وخبالاً، ولا تملك الألسنة بعد أن سبقتْها القلوبُ إلا أن تقول: سمعنا وأطعنا.

وبانطلاقة مبنية على اقتناع، يجد خالد نفسه، وقد بسطت يده – يمينه – فتتلقاها يمين رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بحفاوة ورحمة وتكريم؛ فينطق قائلاً: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.

إن الإيمان حينما يخالط بشاشته القلوب، فإنه يترك على الوجوه وسائر الجوارح أثرًا، كما لا تخفى الشمس في رابعة النهار، ومعنى هذا أنه يرحِّب بكل ما يواجهه من صعاب أو عقبات؛ فالمعايير عندهم قد اختلَّت؛ فالكفر في عقيدتهم إيمان، والإيمان الحق في زعمهم كفرانٌ: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾ [النور: 40]، وتتوالى الأنباء على أبيه بإيمانه؛ فيريد أن يستوثق من صحة ما سمع؛ فيدعوه بين يديه قائلاً: أصحيح أنك اتَّبعت محمدًا، وأنت تسمعه يَعِيب آلهتنا؟! قال خالد: إنه والله لصادق، ولقد آمنتُ به واتبعتُه.

يا لهولِ المفاجأة! إن وقْعها على أبيه شديدٌ، ويفقد الوالد صوابَه ورحمته، وينهال عليه ضربًا مبرِّحًا بلا وعي، ثم دفع به في حجرة مظلمة من حجرات داره؛ ليكون حبيسَها، ثم راح يُذِيقه ألوانًا من الوبال والنكال، ولم يَزْدَد الشاب إلا يقينًا وإيمانًا، واعتزازًا بالحق الذي دلت عليه عبارات كان يردِّدها: “والله إنه لصادق، وإني لمؤمن به”، وازداد الوالد غضبًا؛ فخرج به إلى رمالِ مكة المحرِقة وأحجارها؛ ليُذِيقه من العذاب ألوانَه؛ لعله أن يعود إلى دين الأقدمين، فلا طعام، ولا شراب، ولا ظل، وانكسرت حدَّة الباطل، وأصابها الفتور، فعاد الوالد به إلى داره بين وعد ووعيد، لعل قَناته تَلِين، ولكن خالدًا ازداد صلابة وقوة، وقد عبَّر عن ذلك بقوله: “لن أدع الإسلام لشيء، وسأحيا به وأموت عليه”، وعندها خارت قُوى الوالد المبطِل، ولم يملك إلا قوله: “إذًا، فاذهب عني يا لُكَع، فواللاتِ لأمنعك القوت”، وأجاب الابن المحق: “والله خير الرازقين”.

نعم إنه خير الرازقين، عبارة لو علمها أهل الباطل، لتراجعوا عن باطلهم، وازداد المحقون اعتزازًا وتمسكًا بحقهم، إلا أن لله في خلقه شؤونًا.

واستمر الشاب المعتز بإيمانه في تضحياته، لا يلوي على شيء من ركام الدنيا الزائل، ولم يكترث بما خلفه في بيت والده من عيش رغد: ﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 96].

كان خالد من الأعلام السابقين، والذين قدموا في سبيل نصرته الكثير؛ مما جعل الرسولَ – صلوات الله عليه وسلامه – يرشِّحه واليًا على اليمن، ولما بلَغه الخبرُ العظيم باستخلاف أبي بكر – رضي الله عنه – جاء إلى المدينة، فلم يبايع أبا بكر مع معرفته لقدْره، فقد كان يرى أن الأحق بها واحد من آل البيت – بني هاشم – ولم يُكرِهه أبو بكر على البيعة، مع حبه له؛ تقديرًا لرأيه ومكانته، ولم يلبس خالد أن اقتنع بكفاءة أبي بكر للخلافة؛ فبايعه بلا رغبة ولا رهبة، ولما كانت أعمالهم خالصةً لذي الجلال والإكرام، لذا لم يتطلَّعوا للقيادة والزعامة، بل استوت عندهم الأمور؛ فلا فرق إن كان أحدهم قائدًا أو جنديًّا.

وها هو ناطق بالحكمة حين عزله عن قيادة أحد الجيوش المتجهة إلى الشام؛ فيقول: “والله ما سرَّتنا قيادتكم، ولا ساءنا عزلكم”، ثم يعتذر له الخليفة، مبينًا له وجهة نظره؛ عسى أن يكون العزل خيرًا لخالد في دينه، ويخيِّره بين أن يكون تابعًا لجيش عمرو بن العاص – وهو ابن عمه – أم مع شرحبيل بن حَسَنة؛ فيُجِيب خالد بجواب النفوس التقية: “ابن عمي أحب إليَّ في قرابته، وشرحبيل أحب إلي في دينه”، ثم يختار أن يكون جنديًّا في كتيبة شرحبيل بن حَسَنة، واستمر الرجل مجاهدًا في كل المواقع التي قدِّر له أن يكون فيها مجاهدًا، حتى رزق الشهادة في موقعة “مرج الصُّفَّر” بأرض الشام؛ فسلام الله – تعالى – عليه، وعلى رفاقه الأخيار، في أعلى عليين، مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا؛ ذلك الفضل من اللهِ، وكفى بالله عليمًا.

هذا، وإن كان التمني جائزًا؛ فإنَّا نقول: “يا ليت قادتَنا وجنودنا يَنْهَجون نَهْجَ خالد بن سعيد؛ حتى يكون لأمتنا شأن في الآخرين”، والأَوْلَى أن يكون شعار الجميع قول الشاعر:

لأستسهلنَّ الصعبَ أو أُدرِكَ المُنَى

فما انقادت الآمالُ إلا لصابرِ

اظهر المزيد

صلاح فضل

جاهدنا واجنهدنا لمواصلة مسيرتنا الصحفية عبر (بوابة الشريان) للعام الخامس على التوالي مع اقتراب حلول العام الجديد 2024 حرصا منا على تقديم خدمة صحفية ملتزمة بالدقة والموضوعية فيما طرحناه ونطرحه منذ بداية تحملنا تلك المسؤلية انطلاقتها في 2019 وهذا الالتزام جعلنا أصحاب رؤية صائبة في كل ما قدمناه من خبرات عالية من خلال استقطاب كبار الكتاب والصحفيين المتميزين ممن ساهموا وتعاونوا بحب وتفان دون اي مقابل مادي سوى الحب المتبادل فقط لاغير وهم لا يأ لون جهدا لاستكمال هذه المسيرة واسرة التحرير تقدر جهودهم الجبارة في بلاط صاحبة الجلالة فهنيئا للقراء الأعزاء والجديد في هذه النسخة اضافة (قناة الشريان) تضم حوارات ومنوعات وافراح وما يستجد من فيديوهات مختلفة ومبتكرة
زر الذهاب إلى الأعلى