كتب: صلاح صيام
حقق شهرة واسعة في حياته وحتى بعد وفاته، على الرغم من أن دراسته اقتصرت على المرحلة الابتدائية فقط، لعدم توافر المدارس الحديثة في محافظة أسوان، كما أن موارد أسرته المحدودة لم تتمكن من إرساله إلى القاهرة كما يفعل الأعيان، لذا اعتمد فقط على ذكائه الحاد وصبره على التعلم والمعرفة حتى أصبح صاحب ثقافة موسوعية لا تضاهى أبدًا، ليس بالعلوم العربية فقط وإنما العلوم الغربية أيضًا، حيث أتقن اللغة الإنجليزية من مخالطته للسياح المتوافدين على محافظتى الأقصر وأسوان، مما مكنه من القراءة والاطلاع على الثقافات البعيدة وكان إصراره مصدر نبوغه.
ويعد من أهم الأدباء المصريين في العصر الحديث ولد عام 1889 بمدينة أسوان كان أبوه يعمل موظفًا بسيطًا في إدارة المحفوظات ولكنه استطاع مع ذلك أن يدير شؤون أسرته لما عرف به من التدبير والنظام.
نشأ الطفل عباس محمود العقاد وعقله أكبر من سنه فعندما لمس حنان أبويه وعطفهما عليه قدر لهما هذا الشعور وظل طوال عمره يكن لهما أعمق الحب.. تعهد أبوه حتى تعلم مبادئ القراءة والكتابة فراح يتصفح ما يقع تحت يديه من الصحف والمجلات ويستفيد منها ثم التحق بإحدي المدارس الابتدائية، وتعلم فيها اللغة العربية والحساب ومشاهد الطبيعة وحصل على شهادتها عام 1903، وفي أحد الأيام زار المدينة الإمام محمد عبده وعرض عليه مدرس اللغة العربية الشيخ فخر الدين كراسة التلميذ عباس العقاد فتصفحها باسمًا وناقش العقاد في موضوعاتها، ثم التفت إلى المدرس وقال: “ما أجدر هذا الفتى أن يكون كاتبًا بعد”، ولكن العقاد لم يحصل إلا على الشهادة الابتدائية وعمل بمصنع للحديد في مدينة دمياط، ثم السكك الحديدية.
ولكن لأنه كان مولعًا بالقراءة في مختلف المجالات وأنفق معظم نقوده على شراء الكتب، فقد مل العمل الروتيني فاتجه للصحافة مستعينًا بثقافته الواسعة، واشترك مع محمد فريد وجدي في إصدار صحيفة الدستور، وكان إصدار هذه الصحيفة فرصة لكي يتعرف على سعد زغلول ويؤمن بمبادئه، خاض عدة معارك أدبية وفكرية مع الدكتور زكي مبارك ومحمود شاكر والدكتورة عائشة عبد الرحمن-بنت الشاطئ- وظهرت الطبعة الأولى من ديوانه عام 1916، ونشرت أشعاره في شتى الصحف والمجلات وكتب سلسلة عن أعلام الإسلام منها.
حكى لى الدكتور عاطف العراقي الذي كان شاهد عيان على عبقرية العقاد، حيث شارك في صالونه طوال 5 سنوات بالقاهرة وكذلك في أسوان عندما كان العراقي يعمل هناك، وعن تلك الايام يقول “العراقي”: إن المفكر الكبير زكي نجيب محمود كان يعتز اعتزازًا كبيرًا بالعقاد ويقول إنه أصبح العقاد لأنه استحق ذلك، وكان زكي نجيب محمود يحدثني بهذا حين يتحدث عن ظاهرة “عملقة الأقزام” أي كيف يصبح القزم عملاقًا، وكان يرجع ذلك إلى التركيز الإعلامي والسياسي، وفي صالون العقاد سمعت منه أشياء تعبر عن الجرأة إلى حد كبير من بينها أنه تنبأ بفشل الوحدة بين مصر وسوريا وقال إنها لا بد أن تنتهي عاجلاً أو آجلاً وصدق العقاد، كما كان يبدي اعتراضات جوهرية على أفعال جمال عبد الناصر ولذلك لم يذكر اسمه مطلقًا في خطابه بعد حصوله على جائزة الدولة التقديرية، وكان يثير الكثير من الاعتراضات على الشيوعية وقد صحت نبوءته أيضًا حين قال إن الشيوعية فرضت من أعلى ولم تنشأ من الجذور.
ويضيف “العراقي” إن العقاد قدم الكثير من الدراسات المهمة التي تعد أفضل بكثير مما نجد الآن، وعلمنا العقاد أن أبلغ رد على المهاجم هو عدم الرد عليه، فعندما كنا نبلغه أن فلانًا هاجمه ولا بد من الرد عليه كان يقول الرد عليه يدخله التاريخ، وكان يعتز بالشيخين محمد عبده ومحمود شلتوت، ويصر على مهاجمة الأشعار الحديثة ويصفها بأنها مثل الكلمات المتقاطعة ويقوم بتحويلها إلى لجنة النثر..
ونكمل في الحلقة القادمة إن شاء الله.