أجرى الحوار/صلاح صيام:
نواصل الحديث عن الفيلسوف العظيم الدكتور عاطف العراقي الذي دعا الدول العربية إلى إحياء تراث «ابن رشد» وصناعة فيلم سينمائي ضخم عن حياته وأفكاره مثل فيلم «صلاح الدين الأيوبي» وللأسف كان هناك مشروع للمخرج الراحل حسام الدين مصطفي لإنجاز فيلم عن ابن رشد لم يكتب له النجاح ولذلك دعا لإنتاج مسلسل تليفزيوني ضخم ليعرف كل العرب من هو ابن رشد كما يعرف الفرنسيون «فولتير» ويعرف الانجليز “شكسبير“.
وحول الفيلم الذي قدم عن ابن رشد قال «العراقي» :للأسف الشديد الفيلم يتضمن الكثير من المغالطات التاريخية من أوله إلى آخره ابتداء من الخلط بين الخليفة الأب الذي رعي ابن رشد والخليفة الذي حدث في عهده نكبة ابن رشد مرورا بالتركيز علي إحراق بعض كتبه في أن الحريق شمل أكثر من كتاب ورسالة لابن رشد وغيره، وظهور صورة الأهرام وأبو الهول وهذا لم يحدث إطلاقا وهو نوع من تزييف الحقائق وجهل شديد، والفيلم لا توجد به إشارة الي الفيلسوف الذي عاصر ابن رشد ويرجع له الفضل في تقديمه إلى الخليفة وأخيرا يظهر الفيلم ابن رشد في صورة أقرب إلى السخرية لا هم له سوي الأكل والشرب وبعض المواقف التي لا تعبر عن عظمته، وتجاهل أفكاره التقدمية والتنويرية التي تعد باقية وخالدة حتى الآن.
ورغم مرورأكثر من نحو ربع قرن على فيلم “المصير” فإن الجدل حوله لا يزال متكرراً منذ عرضه في العام 1997، هذا الفيلم قد لا يعرفه جيل التسعينات، لكن الأجيال السابقة تعرف جيداً الضجة التي أثارها وقت عرضه، لتقديمه حياة الفيلسوف والطبيب ابن رشد الذي عاش في الأندلس في القرن الثاني عشر خلال فترة حكم الخليفة يعقوب بن يوسف (المنصور)، الذي كان يحتوي ابن رشد قبل أن ينقلب عليه ويحرق كتبه ويطرده من الأندلس.
تدور أحداث الفيلم حول الصراعات التي عاشها ابن رشد قبل أن يتم إبعاده من الأندلس، سواء من ناحية صراعه مع الخليفة المنصور (أدى دوره محمود حميدة) الذي أصابه الغرور وتحول إلى عدو بعد أن كان صديق، ومن ناحيةٍ أخرى صراعه مع التطرف الديني مع ظهور جماعات متطرفة تنشر أفكاراً عدوانية وتجتذب الشباب وتشحنهم بأفكارٍ عدوانية لدرجة نجاحهم في استقطاب عبد الله (أدى دوره هاني سلامة) الابن الأصغر للخليفة، الذي أراد أن يصبح راقصاً محترفاً، وكان يشجعه على تحقيق حلمه ابن رشد (أدى دوره نور الشريف) الذي قال في أحد المشاهد: “أنا لما كنت في سنه كنت أقعد أرقص 3 أيام من غير ما يتقطع نَفَسي”.
لكن السؤال: هل كان ابن رشد مهتماً بالرقص لدرجة أن يرقص لمدة ثلاثة أيام؟
وهذا ليس السؤال الوحيد الذي نجد أنفسنا نتوقف أمامه بعد مشاهدة الفيلم، بل هناك العديد من الأسئلة، فنجد أسئلة مثل:
هل كانت زوجة ابن رشد وابنته ترتديان ملابس مفتوحة الصدر أمام تلاميذه وأصدقائه مثلما ظهر في الفيلم؟ هل كانت ملابس الفيلم مناسبة أصلاً لتلك الفترة؟
يقول أحد الدارسين للتاريخ باستنكار: “ابن الخليفة (أدى دوره في الفيلم خالد النبوي) كان بيبقى لابس هدوم كاشفة صدره كده؟! ده كلام فاضي”.
في الحقيقة فإن تلك الملابس ليست هي الخطأ الوحيد في الفيلم، فقد سمعت الفنان نور الشريف في إحدى الندوات وهو يقول إن 70% من أحداث الفيلم حقيقية، وهو ما يعني أن 30% من الأحداث ليست حقيقية (وهي نسبة ليست ضئيلة). وقال الشريف إنه طلب من يوسف شاهين توضيح تلك النقطة في تتر الفيلم ولكنه رفض.
كما رفض أيضاً مناظرة الدكتور عاطف العراقي، المتخصص في فلسفة وفقه ابن رشد، بحسب كلام تلميذ يوسف شاهين النجيب خالد يوسف” في أحد البرامج التليفزيونية، والذي قال إن الدكتور عاطف العراقي كان رأيه في الفيلم بعد أن شاهده أنه “أسوأ فيلم في التاريخ”.
وإذا نحينا نقطة التاريخ جانباً وتحدثنا عن الإبداع الذي “صدَّع رؤوسنا به” بعض السينمائيين فسنجد أن الإبداع في الفيلم يقتصر على بعض عناصره فقط، مثل الصورة الجيدة لمدير التصوير محسن نصر، والكادرات الجيدة وحركة الكاميرا المدروسة ليوسف شاهين، والعنصر الموسيقي في الفيلم، والذي لا أعرف مدى ملاءمته لتلك الفترة، وديكورات حامد حمدان التي لا أعرف أيضاً مدى ملاءمتها للأندلس في القرن الثاني عشر.
أما إذا تحدثنا عن فكرة محاربة التطرف الديني فلا يوجد بها أدنى قدر من الإبداع، فليس من المنطقي أن تحارب التطرف الديني بصدور النساء العارية، سواء زوجة ابن رشد (أدت دورها صفية العمري) أو ابنته (أدت دورها روجينا) أو الغجرية مانويلا (أدت دورها ليلى علوي).
لكن ربما نجح الفيلم في إثارة قضية التفكير وإعمال العقل وإظهار قيمة الكتب والعلم والثقافة والمعرفة، أما محاربة التطرف؟! فلا أعتقد ذلك.
وإذا كانت توافرت للفيلم بعض عناصر الإبداع، فإن الأخطاء التي ارتكبها صُناعه لم تكن كافية ليظهر الفيلم بمستوى مقبول ويسلم من النقد اللاذع الذي تعرض له، خاصةً أن الممثلين الذين يقفون في الصفوف الأمامية لتوصيل رسالة الفيلم كانوا يتحدثون بلهجة غريبة، لم تكن أيضاً ملائمة لتلك الفترة، بل كانت ملائمة لفترة التسعينيات (فترة إنتاج الفيلم).
كما أن تمثيلهم لأدوارهم اتَّسم بالأداء “الشاهيني” الذي – في رأيي – أثبت فشله على مدار سنوات طويلة مع العديد من الممثلين، ولذا فليس من الغريب أن يسأل المُشاهد نفسه وهو يشاهد هذا الفيلم: “أين نور الشريف الذي قدم (ليلة ساخنة) و(العار) و(سواق الأتوبيس) وغيرها من الأفلام التي ظهرت فيها موهبته الكبيرة؟! أو أين ليلى علوي التي قدمت (خرج ولم يعد) و(يا دنيا يا غرامي) وغيرها من الأفلام التي جعلتها تصل إلى قلوب المشاهدين؟!
و مما قلل من نجاح الفيلم عدم اكتفاء يوسف شاهين بجعل الممثلين يؤدون أدوارهم بهذه الطريقة “المائعة” التي ظهرت في الفيلم، بل أيضاً لاستعانته بممثلين قليلي الموهبة والشهرة الفنية وقتها: مثل هاني سلامة وأنجي أباظة، ما أنتج عملاً فنياً يعتبره أنصاف وربما أرباع الموهوبين والمثقفين في الوسط الفني إبداعاً عظيماً.
ونكمل في الحلقة القادمة إن شاء الله