كتب: صلاح صيام
قدم من خلال عدسته أفلاما مهمة في السينما المصرية منها المهاجر، إسكندرية نيويورك، الريس عمر حرب، حين ميسرة، اضحك الصورة تطلع حلوة.
يعتبر حالة متفردة فى مجال التصوير السينمائي والفوتوغرافي، فهو بمثابة الأب الروحي بالنسبة للمصورين المصريين، وذلك لأنه عاصر أجيالا سينمائية متعددة، ودرس التصوير والسينما فى مصر والخارج, وحصل على الدكتوراه في التصوير من جامعة السوربون بفرنسا في مجال التصوير السينمائي.
اسمه الحقيقي “رع رمسيس”، وهو الاسم الحقيقي المقيد في السجلات الحكومية، ويرجع ذلك إلى حب والده للحضارة المصرية القديمة، كما أطلق والده على جميع أشقاؤه أسماء ملوك من مصر القديمة، فشقيقه الأول يدعى «خوفو»، وشقيقته الثانية «نيتوكريس»، والثالثة «نفرتيتي»، أما شقيقه الرابع «زوسر»، وآخرهم «مينا».
يعترف مدير التصوير الراحل الدكتور رمسيس مروزوق- فى أحد أحاديثه الصحفية- أنه مر بعدد من الأزمات الإنسانية في حياته بالرغم من نجاحه على المستوى العملي، حيث فقد ابنته الكاتبة أمل رمسيس، وبعدها بسنوات تحديدا في عام 2017، رحلت زوجته الناقدة والكاتبة عواطف صادق أثناء تواجدهما في مهرجان شرم الشيخ للسينما العربية والأوروبية.
قدم رمسيس مرزوق عبر مشواره الفني الطويل، مجموعة كبيرة من الأعمال التي قاربت الـ 70 عملا ما بين السينما والتلفزيون، وتعاون مع أبرز المخرجين من بينهم يوسف شاهين، رضوان الكاشف، شريف عرفة، يسري نصر الله، وسمير سيف.
وقدم بكاميرته نوعا خاصا من الصور من حيث التكوين والإضاءة، عبر العديد من الأعمال السينمائية شديدة التميز، و كان رحيل هذا الفنان الكبير والمتواضع خسارة كبرى لفن التصوير بشكل عام، و هذا ما شعر به المئات من تلاميذه.
درس التصوير في كلية الفنون التطبيقية ثم معهد الفنون المسرحية، ثم درس الإخراج السينمائي في جامعة السوربون في باريس، كما كون خلفية ثقافية وأكاديمية مترابطة وقوية أتاحت له أن يكون مبدعا مختلفا وممارسا محترفا للتصوير السينمائي والفوتوغرافي، يملك طابعا خاصا وبصمة مميزة، و كان نموذجا للتواضع بالرغم من كل هذه الخبرات.
والمدهش في شخصية رمسيس مرزوق أنه بالرغم من كل هذه الخبرات والأفلام التي صورها مع كبار المخرجين، والجوائز الكثيرة والشهادات الأكاديمية ودكتوراه السوربون ووسام الفارس الفرنسي العريق، إلا أنه كان نموذجا في التواضع في زمن كان بعض المصورين يتبارون فيه في التفاخر بشهادات وزمالات لجهات عالمية سواء وهمية أو حقيقية.
ويحكي عنه المصور عمرو نبيل، مؤسس شعبة المصورين في نقابة الصحفيين، أنه اعتاد مشاهدة رمسيس مرزوق يتناول إفطارا من الفول من مطعم (الخالة فرنسا) على قهوة بلدي في الجمالية بصحبة صديقه الوفي الأستاذ مصطفى الشرشابي، كما كان يشارك في تكريم الأطفال المشاركين في معرض جروب (هيا نتعلم التصوير الفوتوغرافي) بساقية الصاوي.
وأضاف: “كما كان يتواجد كل ثلاثاء في صالون بولس إسحق الذي يعد ملتقى لكل أطياف المصورين، وكنت تجده دائما مرحبا و مضيافا وراقيا بقدر ما كان مبدعا مشعا ومعطاء كالشمس، وكان يستمع باهتمام وتواضع كالطفل الصغير أثناء محاضرة لأصغر تلاميذه في صالونه، ولن أنسى أبدا أنه بعد إلقائي لمحاضرة بدعوة منه في اتحاد الكتاب عن (أخلاقيات التصوير الصحفي) قال لي: كم أنا سعيد بهذه المحاضرة القيمة التي عرفت منها أشياء لم أكن أعرفها من قبل، فذهلت من كلمات هذا الفنان العملاق المتواضع.
وعن نقاط تميز مرزوق فنيا، أكد نبيل أنه كان يصور وكـأنه يخرج لوحة فنية، فكان لديه اهتمام كبير بالتكوين، ومصادر الإضاءة، واللقطة التي تعبر عن المشهد سواء كان رومانسيا أو حماسيا، كما عمل مع كبار المخرجين مثل كمال الشيخ في فيلم “الصعود الى الهاوية”، ومع يوسف شاهين في “المهاجر” و”إسكندرية نيويورك” حيث ظهرت مهاراته أكثر ما ظهرت مع شاهين.
والجميل في رمسيس مرزوق أنه طوال الوقت لم ينس أنه مصور فوتوغرافي وليس سينمائيا فقط، وبالطبع فإن المجالين لا ينفصلان عن بعضهما، فالتصوير السينمائي عبارة عن لقطات من الصور المتحرك، وبالفعل فقد قدم معرضا كبيرا في عام 2015 عرض به أهم أعماله الفوتوغرافية، وكان وقتها متوترا كأنه شاب في العشرينيات بالرغم من خبراته الكبيرة، ولا ننسى بعض أعماله التي تناول فيها المرأة، فاهتم بتكوينات جسد المرأة بشكل مختلف عن المعتاد، فلم يتناولها بغرض الإثارة، ولكن بشكل ملهم يوحي بجماليات المرأة.
مدير التصوير محمد حمدي الذى عمل أكثر من خمس سنوات مع “مرزوق”، أكد أن الراحل كان اسما عالميا فص مجال التصوير السينمائي، حيث حصل على الدكتوراه من السوربون من فرنسا، وهو من الدفعة الأولى التى تخرجت من معهد السينما عندما أنشئ في مصر بعد ثورة يوليو، ثم حصل على منحة فى روما لكنه لم يستكملها، ثم سافر على نفقته الخاصة للدراسة في السوربون وحصل على الدكتوراه من هناك وحقق اسما مهما في فرنسا، ثم عاد إلى مصر لتبدأ رحلته مع كبار المخرجين المصريين مثل يوسف شاهين، يسرى نصر الله، وأشرف فهمى وغيرهم.
وأشاد حمدي بتميز الإضاءة عند “مرزوق”، فقد كان يتعامل مع الإضاءة بشكل درامي، ويجسد الحالة النفسية لشخصيات الفيلم، وكان موهوبا فى ذلك وله تجارب سينمائية مشهود بها في هذا المجال.
كما أوضح حمدى أنه عمل مع “مرزوق” عندما كان طالبا، واستمر في العمل معه بعد تخرجه لمدة سبع سنوات، تعلم فيها على يده أمورا عديدة مهنيا فنيا وإنسانيا، حيث عمل معه في أفلام: “البحث عن توت عنخ أمون”، و”خريف آدم”، و”المهاجر”، و”إسكندرية نيويورك”، و”هي فوضى”.
وأكد حمدي أنه كانت هناك مساحة واسعة من التفاهم بين مرزوق ويوسف شاهين، لأن الأخير كان يهتم جدا بالتصوير، كما قدم أعمالا مع المخرج خالد يوسف مثل “حين ميسرة”، و”كف القمر”، و”الريس عمر حرب”.
وعن تجربته مع مرزوق في فيلم “خريف آدم”، من إخراج الدكتور محمد كامل القليوبي، قال حمدى إن اضاءة هذا الفيلم كانت صعبة لأنها كانت تقوم على لمبة الجاز، وبالطبع فليس أى مدير تصوير يستطيع أن يتعامله معها، معربا عن سعادته أنه كان محظوظ جدا أن تعلم منه وعمل معه.
ويلفت حمدي إلى أن رمسيس مرزوق حصل على تصنيف عالمي في كراسة السينما الفرنسية عن فيلم “المهاجر” ليوسف شاهين، ومنحته الدولة الفرنسية وسام فارس، خاصة أنه درس في جامعة السوربون وكانت له علاقات قوية جدا هناك.