صلاح صيام
بزغ نجمه في فترة السبعينيات، ومن أهم أعماله السنيمائية في تلك الفترة: “الخيط الرفيع، حكاية بنت اسمها مرمر، حب وكبرياء، والرصاصة لا تزال في جيبي”.
وفي حقبة التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، ازداد عمل الفنان محمود ياسين بشكل كبير في التلفزيون، ولم يبتعد عن السينما بشكل كامل، ومن أعماله التلفزيونية “أبوحنيفة النعمان، ضد التيار، سوق العصر، والعصيان”.
وعُيّن ياسين في المسرح القومي، وبدأ رحلته في البطولة بمسرحية “الحلم”، تأليف محمد سالم وإخراج عبدالرحيم الزرقاني، بعدها بدأت رحلته الحقيقية على خشبة المسرح القومي، حيث قدم على خشبته أكثر من 20 مسرحية وتولى إدارة المسرح القومي لمدة عام ثم قدم استقالته.
وشارك في العديد من الأعمال الفنية مثل “ماما في القسم، وعد ومش مكتوب، السماح، سلالة عابد المنشاوي، التوبة، بابا في تانية رابع، حكاوي طرح البحر، ثورة الحريم، اللؤلؤ المنثور، العصيان، سوق العصر، حديقة الشر، العشق الإلهي، حلم آخر الليل، خلف الأبواب المغلقة، رياح الشرق، أبو حنيفة النعمان، ضد التيار، عزبة المنيسي، أيام المنيرة، أهل الطريق، سور مجرى العيون، كنوز لا تضيع، اليقين، مذكرات زوج”.
عن رحلته المسرحية يدور هذا التحقيق..
يقول الشاعر نادر ناشد:
كثيرون لا يعرفون ما قدمه محمود ياسين (2 يونيو 1940– 14 أكتوبر 2020) في عالم المسرح، لأن الميديا الحديثة لا ترتاح للأعمال الجادة – خاصةً إذا كان أغلبها باللغة العربية الفصحى.
مسرح محمود ياسين، أرى أنه الأكثر عمقًا ورؤية ونضارة فى مسيرته الفنية.
بدأ محمود ياسين مسيرته الفنية بمسرحية “الحلم” عام 1964عن نص الأديب السويدى أوجست مسترندبرج (1489 – 1912) وهذه المسرحية قدمت فى السويد فى 23 أغسطس عام 1901.
وفي عام 1965 قدم ياسين مسرحية سليمان الحلبي للكاتب ألفريد فرج، أما في عام 1967 قدم مسرحية “حلاوة زمان”، ثم قدم عام 1968 مسرحية دائرة “الطباشير القوقازية” وهى مسرحية فلسفية عميقة تناقش خفايا النفس البشرية، كتبها الكاتب والشاعر الألماني برتولت برخت (1898 – 1956) وقد أطلق النقاد على مسرحه مصطلح “المسرح الملحمي” وقد فاز عام 1954 بجائزة ستالين للسلام، ومن أشهر أعماله “أوبرا الثلاثة بنسات 1928 – و”شجاعة أم وأولادها” 1941 وكانت آخر مسرحياته “دائرة الطباشير القوقازية” 1955.
اراد محمود ياسين أن يقدم هذه المسرحية بعد هزيمة يونيو 1967 – لكي يثير من خلالها جدلًا بين الحضارة بمعناها الأوسع وبين الواقع حين يسقط ويحاول أن تسقط معه هذه الحضارة بأكملها.. فالقضية ليست مراهنة بل كفاح وتواصل نضال.
وفي نفس العام 1968 – قدم مسرحية “ليلة مصرع جيفارا” للكاتب ميخائيل رومان, وهى تجسد لنضال الشعب المصري بنماذج تاريخية تدعو للصمود والغضب فى وجه عدو مشترك للأمة.
هذه المسرحية نجحت نجاحًا كبيرًا وتجولت فى معظم أقاليم مصر ثم شاركت في مهرجان المسرح بدمشق ومهرجان المسرح العراقي.
وفي عام 1969 قدم محمود ياسين مسرحية الشاعر عبد الرحمن الشرقاوي “وطني عكا” كتبها الشرقاوي فى فبراير 1968 بعد هزيمة يونيو 1967 بسبعة شهور، وقدمها المسرح القومي في الموسم المسرحي 1969-1970 من إخراج كرم مطاوع.
وفي عام 1970 قدم ياسين للمسرح “النار والزيتون” للكاتب ألفريد فرج وتدور حول كفاح فلسطين أيضًا ليكتمل مشروع محمود ياسين المسرحي والذي قدمه في دعم كفاح الأرض الفلسطينية وهى”عكا” و”النار والزيتون” ورائعة يسري الجندي “واقدساه” للمخرج العربي المنصف السويسي.
وفي عام 1971 قدم ياسين مسرحية “حلاوة زمان” وهي مسرحية تنبأت بانتصار مصر في السادس من أكتوبر 1973 – ليلحقها ياسين بمسرحية “حدث فى أكتوبر” وهي من أوائل المسرحيات التي قدمت عن انتصارات أكتوبر إن لم تكن الأولي قدمها محمود ياسين فى 7 نوفمبر 1973 – ثم قدم بعد ذلك “عودة الغائب”للكاتب فوزي فهمي و”بداية ونهاية ” لنجيب محفوظ وإخراج عبد الغفار عودة، و”الخديوي” للشاعر فاروق جويدة وإخراج جلال الشرقاوي، ثم مسرحية “الزيارة انتهت” للمسرحى الكبير سمير العصفوري.
أما رائعة الشاعر صلاح عبد الصبور “ليلى والمجنون” فقد كانت حجر الزاوية الذي من خلاله أثبت محمود ياسين أنه الأول بجداره فى إلقاء الشعر وسلامة مخارج الألفاظ، في أغلب مسرحياته كان الشعر هو الغالب، لكن “ليلى والمجنون” لها طابع آخر، فقد ادخر فيها كاتبها صلاح عبدالصبور كل رموز الاغتراب والحصار؛ حيث عالم الصحافة البكر في الأربعينيات من القرن الماضي، وعكف فريق العمل خلالها علي تجسيد نضال المصريين ضد المستعمر الإنجليزي، كان الكل ينتظر التغيير الثوري ولكن الحصار كبير، وقد جسد محمود ياسين المسرحية ببراعة وعمق وكشف فيها الصراع الخفي بداخل أرواح المصريين.
مسرح محمود ياسين هو الأعلى بين حالات إبداعه فقد وصل من خلاله إلى قمة الإبداع الدرامي وكان سباقًا لغيره من أبناء جيله ولعل هذا التألق المسرحي هو الذي أرسى قواعد الشموخ الفني في سينما محمود ياسين وفي أعماله الدرامية التى تزداد بريقًا يومًا بعد يوم .كما يقول عنه المؤلف المسرحي أشرف عتريس:
الفنان العظيم محمود ياسين بدايته الحقيقية هى خشبة المسرح ولم لا وهو الحقوقي المفوه الذى يجيد بجدارة نطق اللغة الفصيحة وقد تفوق على نفسه فى مسرحيات أضاءت المسرح القومي الذي عين فيه بتقديرالجميع.
ياسين على المسرح يصنع علاقة بينه وبين النظارة (الجمهور) صعب تصنيفها فهي شد انتباه وتركيز شديد وإثارة للفكر واستمتاع بالفرجة وروعة الأداء, قلما نجد ممثلًا مسرحيًّا يصنع هذه (الحالة) نلحظ هذا فى مونولوج الشرقاوي.
عن (شرف الكلمة) فلا يمكن أن تكون هذه قدرات فنية عادية، غير أنها بلسان موحى إليه وهذا في تقديرى الشخصي لتسجيل تليفزيوني، فما بالك وروعة الأداء على الخشبة لمن حضر العرض.
دعونا نشهد لجيل وأسماء ورموز مسرحية لن تتكرر (هذه حقيقة)، بلا تزيد ورهان خاسر فيما تعلمه الأكاديمية ودروس اللغة فى الجامعة والأوصياء عليها، وهذا سببه الرئيس أن تلك الشريحة من (الفنانين) كانت تتكئ على معرفة وثقافة حقيقية وبحث وسعي جاد للإجادة، هل جاء بعد رحيل كرم مطاوع، نجيب سرور، سعد أردش، نورالشريف من يتوهج ويشعلل خشبة المسرح القومى مثلا؟
تلك هى الأزمة، رحم الله المخلصين لفن الحياة على (الاستيدج)، بقدرة كبيرة تتفاعل وتحترم المشاهد، المتفرج، العاشق للمسرح.
رحم الله محمود ياسين ولروحه السلام.