مقالات

اللغة تشكو أهلها ‘3″

ظاهرة اجتماعية تعيش مع الإنسان

صلاح صيام

ارتباط اللغة ـ أى لغة ـ بحضارة أصحابها حقيقة لغوية يؤيدها الواقع ويؤكدها التاريخ فاللغة والحضارة يتناسبان تناسباً طردياً، وهذا يعنى ببساطة ان اللغة ظاهرة اجتماعية تعيش مع الإنسان جنباً الى جنب، تضعف بضعفه، وتنمو وتزدهر بنموه وازدهاره، ولغتنا العربية كانت لغة بسيطة فى بداية أمرها عندما كان المجتمع العربى نفسه لايملك من مقومات الحضارة إلا الشىء القليل، حتى جاء الإسلام فاتسعت واحتوت كل العلوم والمضامين التى جاءت العالم، فاللغة العربية تمتاز بدقة ألفاظها وصلابة معانيها خاصة بأنها تتضمن حروفاً لا توجد فى أى لغة أخرى.

لقد أدرك العرب والمسلمون أهمية لغتهم، وارتباطهم بالقرآن الكريم، فبادروا بدراستها، والحفاظ عليها، فما ان رأوا شيوع اللحن نتيجة لاختلاط الناطقين بها بغيرهم من العجم فى البلدان المفتوحة، حتى سارعوا بضبط المصحف كما فعل أبوالأسود الدولى، ووضع علم النحو، فلم يقبلوا من فسد لسانه للأخذ عنه، لمجاورته العجم أو اتصاله بهم من القبائل.

ويمثل اليوم العالمى للغة العربية ـ الذى مر منذ أيام ـ مناسبة للاحتفال بلغة 22 دولة من الدول الأعضاء فى اليونسكو، اللغة التى ينطق بها أكثر من «422» مليون إنسان فى العالم العربى والتى يستخدمها أكثر من مليار ونصف المليار من المسلمين فى العالم، قديمه وحديثه، ويذكرنا أيضاً أن لغتنا الحبيبة أصبحت تعيش حالة اغتراب حقيقى بين الشباب العربى، بالاضافة الى الهجمة الشرسة التى تتعرض لها من بعض الأوساط الغربية وتتهمها هذه الأوساط بأنها ليست لغة علمية ولا تستوعب المصطلحات العلمية الجديدة ونحن مع الأسف نساعد هؤلاء الحاقدين فى هجومهم على لغتنا لأننا

لانعطى هذه اللغة الاهتمام الذى يستحق ولا نحاول تطويرها بكل أسف فأصبحت الآن مهددة بغزو أجنبى واضح نتيجة للانفتاح العالمى والتكنولوجيا المطلقة، وأصبحت اللغات الأجنبية تستخدم بديلاً عنها مما جعلها مهددة بفقد رونقها ودقتها بين غيرها من اللغات.

ان ما تعانيه اللغة اليوم هو جزء لا يتجزأ مما تعانيه الأمة العربية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، فالأمن اللغوى لا يقل أهمية عن الأمن العام والأمن الغذائى، لذلك فالحاجة ملحة لحماية اللغة العربية من المخاطر التى تحيط بها من الداخل والخارج، فمخاطر الداخل تتجسد فى الإهمال والتقصير الواضح فى مجال التعليم والإعلام، أما مخاطر الخارج فتبدو فى شكل العولمة التى بدأت تبسط نفوذها شرقاً وغرباً، فى محاولة لتدمير الثقافات الوطنية والتمكين للغة واحدة، هى لغة القوة المهيمنة سياسياً واقتصادياً، وهو خطر عظيم يهدد لغتنا وثقافتنا فى الصميم، وتقصير القائمين على أمر اللغة خيانة للجوهر الروحى والثقافى وتقصير فى حق اللغة والأمة.

وهذه مسئوليتنا جميعاً سواء فى الجامعات أو المدارس وتقع المسئولية الكبرى فى هذا الصدد على مجامع اللغة العربية فهذه المجامع مازالت لا تقوم بالدور الحقيقى المطلوب منها تجاه اللغة العربية وهى لا تزال جامدة وتتحرك ضمن أطر تقليدية عفا عليها الزمن ولا تحاول تطوير عملها وخلق آليات جديدة وحديثة للتعامل مع هذه اللغة.

لو توحدنا حول لغتنا العربية سنغزو بها العالم غزواً ثقافياً .. ونكمل فى الحلقة القادمة إن شاء الله

 

 

 

 

اظهر المزيد

صلاح فضل

جاهدنا واجنهدنا لمواصلة مسيرتنا الصحفية عبر (بوابة الشريان) للعام الخامس على التوالي مع اقتراب حلول العام الجديد 2024 حرصا منا على تقديم خدمة صحفية ملتزمة بالدقة والموضوعية فيما طرحناه ونطرحه منذ بداية تحملنا تلك المسؤلية انطلاقتها في 2019 وهذا الالتزام جعلنا أصحاب رؤية صائبة في كل ما قدمناه من خبرات عالية من خلال استقطاب كبار الكتاب والصحفيين المتميزين ممن ساهموا وتعاونوا بحب وتفان دون اي مقابل مادي سوى الحب المتبادل فقط لاغير وهم لا يأ لون جهدا لاستكمال هذه المسيرة واسرة التحرير تقدر جهودهم الجبارة في بلاط صاحبة الجلالة فهنيئا للقراء الأعزاء والجديد في هذه النسخة اضافة (قناة الشريان) تضم حوارات ومنوعات وافراح وما يستجد من فيديوهات مختلفة ومبتكرة
زر الذهاب إلى الأعلى