صلاح صيام
ليس فقط أحد أكبر أساتذةالفلسفة الإسلامية في مصر والعالم العربي لكنه بحق أحد رهبان الفكر الذين ضحوا بحياتهم الشخصية فرفض الزواج والاستقرار طوال حياته التى انتهت فى محراب العلم ، ليكون خادماً أميناً للفلسفة، قدم للمكتبة العربية عشرات الكتب النقدية الرائعة، قضيته الإنسان وحقه في التعبير عن رأيه بحرية كاملة، وذنبه – إن صح التعبير – الصراحة المطلقة التي لم تبق له صديقاً
ومنذ ايام قليلة حلت علينا ذكرى ميلاده ال88 نتذكر معه أقواله المأثورة عن الزعيم مصطفى النحاس الذي وصفه بأنه أعظم رئيس وزراء في تاريخ مصر الحديثة، قدم لها العديد من المشروعات العظيمة وحافظ علي اقتصادها، ورعي أبناءها، وطالب بضرورة إدراج أعماله في كتب.
قال العراقى عن النحاس : لا يمكن إطلاقاً إغفال الدور العظيم والرائد الذي قام به أعظم رئيس وزراء في تاريخ مصر الحديثة منذ أيام محمد علي ، فمصطفي النحاس باشا له بصمات مؤثرة في تاريخ مصر والمصريين ولا يصح أن نكون كالقطة التي تأكل أبناءها بل يجب أن نكون كالقطة التي ترعي أبناءها وتدافع عنهم.. الزعيم مصطفي النحاس، رجل أقدره بغير حدود، لقد جعل حاضرنا أفضل من ماضينا، وسعي إلي أن يكون مستقبلنا أكثر إشراقاً، وأذكر أنه كان من أكثر رؤساء الوزارات في مصر عطفاً علي الفقراء ومتوسطي الحال، وكان يوم انتخابه عيداً لكل المصريين، وكان يبدأ حياته السياسية بكل وزارة يتولاها بمنح مكافأة أو منحة للجميع، وكانت تمثل البهجة والفرحة للطبقات الفقيرة والمتوسطة أيضاً، والمتأمل في المشروعات التي تحققت في أيام مصطفي النحاس يلاحظ قوة الاقتصاد في عهده، وأذكر أن جريدة المصري قبيل حركة الجيش قد جاء عنوانها الرئيسي يتحدث عن ميزانية مصر ووصفها بأنها أكبر ميزانية في تاريخ البلاد، وقد رأيت النحاس بنفسه أكثر من مرة حين كنت صغيراً وقرأت واستمعت إلي خطاباته ومنها الخطاب التاريخي الذي ألقاه بمجلس النواب الذي جاء فيه »باسم مصر وقعت معاهدة 36 وباسم مصر الآن أطالبكم بإلغائها« خطاب كله حكمة ورؤية مستقبلية.
والنحاس بالإضافة إلي كونه أنزه رجال مصر، قدم العديد من المقترحات وقام بالكثير من المشروعات العظيمة ومن بينها الدعوة لتقوية مصر أولاً حتي تسعي الدول العربية للاستفادة منها وليس العكس كما هو حادث الآن، وهو صاحب فكرة الضريبة التصاعدية التي تعتبر الحل الاقتصادي الأمثل إذا أرادت مصر أن تبني اقتصادها، فلا مانع – في رأيه – أن ينشأ الأغنياء المشروعات الكبري ولكن لابد من فرض ضريبة عليها ترتبط بالأرباح حتي يشعر بقية المصريين أن مصر ترعاهم، وهذا أفضل من الورطة التي وضعت فيها مصر حينما لجأ عبدالناصر إلي »مهزلة« القطاع العام، وكم حدثت فيه سرقات بالملايين فأتاح »النحاس« لرأس المال أن يعمل، فظهر طلعت حرب وعبود باشا الذي قيل عن شركاته إن سعيد الحظ من يحصل علي سهم فيها، لأنه سيضمن ارتفاع قيمة هذا السهم سنوياً، وكان يقال أيضاً هناك شخصان يشعران بالسعادة في مصر، من يحصل علي سهم في شركات عبود، ومن يحصل علي تذكرة لحضور حفلة أم كلثوم، قارن هذا بما حدث عند إعلان بيع أسهم مشروع الحديد والصلب بمبلغ »2 جنيه« للسهم الواحد وهبطت قيمة السهم إلي »140 قرشاً« في العام التالي فأصيب المساهمون بخيبة أمل.
– يضاف إلي الإصلاح الاقتصادي نزاهة الانتخابات التي علي أساسها تم اختيار مصطفي النحاس وحصوله علي أكثر من %75
وكانت هذه الانتخابات غاية في الديمقراطية والحياد والشفافية، ولم تظهر فيها أبداً ال% 99.9 التي سيطرت علي الانتخابات في العهد البائد
– ورفض النحاس باشا مشروع السد العالي مع عثمان محرم أعظم وزير أشغال في تاريخ مصر لأنه مشروع فاشل أقامه عبدالناصر لأسباب سياسية وليست اقتصادية، وهو الذي أدي لإصابة الملايين من المصريين بأمراض الكبد والكلي بسبب استخدام المبيدات والكيماويات السامة في الزراعة لتعويض الأرض من الطمي.
– وللنحاس باشا جملة شهيرة مأثورة تقول »تقطع يدي ولا تنفصل مصر عن السودان«، ولكن عبدالناصر بخبرته المحدودة أقام وحدة مع سوريا، ونتيجة هذه الوحدة كانت مصيرها الفشل المتوقع لأن كبار مفكري مصر حذروا منها واستنكر العقاد الوحدة بين دولتين أفريقية وآسيوية مختلفتين في النشاط الاقتصادي فالأولي زراعية والثانية تجارية وكذلك اختلافهما في نظام المرتبات وحدثت الفرقة سريعاً.
العجيب والغريب في نفس الوقت، أن النحاس باشا وقف أمام “محاكم الغدر” بتهمة شراء بالطو فرو« لزوجته زينب الوكيل ونسي عسكر الحركة ثراء عائلة الوكيل حتي أن بعض قادة الحركة استولوا علي قصرها بالمرج الذي أقام به محمد نجيب حتي وفاته، فهل تعجز زينب الوكيل عن شراء بالطو من الفرو، وكذلك تم إلقاء القبض علي جميع من شاركوا في جنازته بميدان التحرير في عهد عبدالناصر.
– ويطالب “العراقى” وزارتي التعليم والتعليم العالي بإدراج فصل كامل في كتب التاريخ الجامعية وقبل الجامعية عن النحاس باشا، وأن يكون اسمه علي كل لسان، فهو خالد بأعماله، ولا يستطيع أي إنسان أن يشكك في ذمته المالية، وقد عرفت الكثير عن حياته الشخصية بعد انقلاب 1952 حين كنت التقي بالعظيم الإنسان فؤاد سراج الدين باشا ولذلك كنت حريصاً علي إهداء أكبر وأضخم كتبي ثورة النقد في عالم الأدب والفلسفة السياسية لروح الزعيم مصطفي النحاس الذي أحب مصر حباً جماً ويجب أن تبادله حباً بحب، وعطاء بعطاء.