أجرى الحوار: صلاح صيام
نواصل الحوار مع الدكتور وسيم السيسى حيث يتحدث في هذه الحلقة عن كيف علم الفراعنة العالم بأثرة مفهوم وأسس العدالة الاجتماعية ..
• غياب القانون الآن هو آفة العصر.. فكيف تعامل الفراعنة معه؟
** القانون المصري كان في عصر الفراعنة مثاليا في قواعده، عادلاً في أحكامه، عالميا في مراميه، نقيا في مبادئه، صافيا في مواده، بني على العدل والأخلاق وشتى الفضائل، فكان علامة فارقة في الحضارة الإنسانية، كما كان دهشة للمؤرخين قاطبة لعظمة هذا القانون وسبقه الحضاري، كان يصاغ في محكمة العدل المسماة دار حوريس الكبرى، في عبارات واضحة سليمة ومختصرة، فى صيغة بلاغية وفي منتهى الإتقان، وهذه العبارات منقولة عن د. محمود السقا، ود. محمد أبو سليمة أستاذ القانون بجامعة القاهرة من كتابهما “فلسفة وتاريخ القانون المصرى”
وأشار السيسي إلى أن الوزير “آميني” وجد مكتوبا على باب قبره في بنى حسن: لا توجد أرملة ظلمتها، ولا فلاح طردته، كما لا يوجد بائس أو جائع في زمنى، لم أرفع العظيم فوق الحقير، وفي السنين المجدبة كنت أقدم الطعام، ولا آخذ الضرائب.
• وماذا عن العدالة الاجتماعية التي يبحث عنها المجتمع؟
** مصر هي صاحبة أقدم جهاد فى سبيل العدالة الاجتماعية ويحكي لنا حكاية أمنمحات الأول “الأسرة 12” وهو يخاطب كبير الوزراء: أعلم أن الوزارة ليست حلوة المذاق ولكن مُرّة، وليس الغرض من الوزارة أن تتخذ من الشعب عبيدا.. بل عامل من تعرفه معاملة من لا تعرفه، والمقرب مني كالبعيد عني، وأعلم أن احترام الناس لك يأتي من إقامتك للعدل، كما أن التحيز والتمييز يعد تخطيا للعدالة، وطغيانا على الإله!
وأضاف السيسي إذا عدنا إلى متون الأهرام نجد مكتوبا عليها: لقد خلقت الرياح الأربع ليتنفس بها الإنسان مثل أخيه، ولقد خلقت المياه العظيمة ليستعملها الفقير مثل الغني، لقد خلقت كل إنسان مثل أخيه، وحرمت عليهم الظلم، ولكن قلوبهم هي التي خالفت وصاياك.
وقال إن هو ذا الفلاح الفصيح “خون إنبو” ومحافظ وادي النطرون “رئيس بن ميرو”، واللص الكبير وهو موظف عام واسمه “تحوتي ناخت”، وكان ذلك فى عهد الملك “نب كاو رع” يشكو هذا اللص لمحافظ الإقليم فى كلمات بلاغية جميلة، فيعرض الخطاب على الملك، ويأمر الملك بعدم رد المسروقات الآن حتى يكتب لهما أكثر، فكتب 9 رسائل أقتطف منها: لأنك والد اليتيم، وستر من لا أم له، دعني أضع اسمك فوق كل قانون عادل، إن الحاكم كالميزان، لسانه هو المؤشر العمودي، وقلبه هو المثقال، وشفتاه هما الذراعان.
وقال يجب أن تكون مثلا أعلى للناس، ولكن المحيط بك كله فاسد، لقد عينك الملك حتى تطارد اللصوص فأصبحت ملاذا لهم! أقم العدل لرب العدل، تكلم الحق وافعل الحق لأن الإله هو الحق وهو عظيم وقوى ودائم. احذر اقتراب الأبدية.. سأذهب وأشكوك لأنوبيس! حينئذ استدعاه المحافظ. ورد له أمواله.. وأبلغه بالقبض على السارق.
• هل هناك أمثلة أخرى توضح معنى ومفهوم العدالة في مصر القديمة؟
** كانت مصر هى أول من وضعت: العدل أساس الملك.. وأن الفرعون يحيا بأعماله العادلة، وكان الملك يقدم تمثالاً لربة العدالة «ماعت» كل سنة، تذكيرا له بأن العدل هو أساس الحكم.. كما كان كل قاض يضع حول عنقه تمثالاً لربة العدالة «ماعت»، وهذه رسالة من أحد ملوك الأسرة 12 لأحد وزرائه: «حافظ على القانون واحرص على أن يتم كل شىء طبقا للقانون، حتى يصل كل شخص إلى حقه». وهذه رسالة أخرى من الملك «خيتي الرابع» أحد ملوك الأسرة العاشرة إلى ابنه ولي العهد: «هدئ من روع الباكي.. لا تجرد أحدا مما يملك.. لا تطرد موظفا من عمله دون وجه حق.. لا ترفع ابن العظيم على ابن المتواضع.. بل قرب إليك الإنسان حسب كفاءته». كان كل الناس أمام القانون المصرى سواء بسواء.. بينما كان قانون حمورابي (البابلي).. تختلف الأحكام به حسب الطبقة الاجتماعية!!
• وماذ عن العدالة المتعلقة بالمرأة في مصر القديمة؟
** كانت المساواة كاملة بين الرجل والمرأة فى القانون المصري الفرعوني.. كان لها الحق أن تمتلك الأراضى، العقارات، المنقولات، وأن تتصرف فيها كما تشاء (البيع.. الشراء.. الهبة)، كما كان لها إرادتها الكاملة في اختيار زوج المستقبل أو رفضه دون وصاية من أهلها وذويها، كما تساوت في الحقوق الإرثية، الأخت كأخيها على قدم المساواة، وللزوجة حق إرث زوجها بالكامل، كما كان لها الحق في الدفاع عن حقوقها فى المحاكم، سواء كانت مدعية أو مدعى عليها، ( ملحوظة): لم يُعرف نظام المحاماة إلا فى العصر الروماني.
• تؤمن بأن المسلم والمسيحي في مصر لهما طبيعة وكيان خاص..وضح لنا ذلك؟
** ما أريد أن أقوله هنا أننا شعب واحد.. من الناحية الجغرافية، ونشرب من إناء واحد ألا وهو نهر النيل، ومائدة واحدة نتناول منها طعامنا وهي الوادي، ونحن كذلك شعب واحد من الناحية السياسية، ويتجلى ذلك في حكومة لم ينفرط عقدها منذ 6 آلاف سنة، وكذلك نحن شعب واحد من الناحية البيولوجية وأول من أشار الي ذلك هو فلندر بتري حين قال أن المشكلة في مصر ليس في غزوها.. وإنما المشكلة هي في الوصول إليها.. لماذا؟! لأنك نادرا ما تجد شعبا متماثلا في شكله الظاهري، بل في طباعه وأخلاقه ومزاياه، مثل الشعب المصري. وقد ظل هذا القول قائما ومشهورا حتي جاءت السيدة مارجريت كندل وهي عالمة جينات.
• وما الذى كشفته مارجريت كندل عن جينات المصريين؟
** هذه العالمة أجرت دراسة عن ثلاثة شعوب، الألماني باعتبار أن هتلر كان يعلن دائما بأنهم من أنقى الشعوب لأنهم ينتمون إلى الجنس الآري، فوجدت أن الجينات مختلفة وأن شعبها متباين تماما، ثم البحث الثاني عن اليهود.. وقد فوجئت بأن يهود الاتحاد السوفيتي يحملون نفس فصائل الدم وجينيات شعب الاتحاد السوفيتي، ويهود إنجلترا مثل بقية الشعب الإنجليزي، ويهود أمريكا مثل الأمريكان. فإذا مسألة نقاء العرق اليهودي غير صحيحة، وهذا ما كان قد قاله العقاد منذ فترة طويلة، عندما ذكر أن العرق اليهودي النقي الوحيد متمثل في 300 شخص ينتمون إلى قبيلة السامرية، وهم من الذين لم يختلطوا بالشعوب الأخرى.
• وما الذي اكتشفته في البحث الثالث؟
** لقد أعلنت أن الصدمة التي تلقتها من خلال بحثها الثالث ترتبط بالشعب المصري، إذ أخذت عينات متعددة من أسوان إلى الإسكندرية، ومن الصحراء الغربية إلى الشرقية، ومن المدن الكبرى والقرى والكفور والنجوع، حتى عيادات الأطباء أيضا أخذت من المترددين عليها عينات، ومن المسلمين ومن المسيحيين، فكانت الصدمة الحضارية أن المسلمين والمسيحيين جيناتهم واحدة في 79? من الجينات التي أخذتها!