إسرائيل تذبح الحقيقة بسكين العالم المتواطئ لإسكات الضميرالإنسانى
ضحايا على الهواء مباشرة
استهداف ممنهج للصحفيين داخل وخارج غزة
تقرير/صلاح صيام:
إذا كنت تعيش في غزة، فهذا يعني أنك تراوغ الموت في كل لحظة ما بين القصف والحصار ونقص المساعدات الطبية وشح الماء والغذاء, لكن إذا كنت صحفيا فلسطينيا في غزة، فالأمر يتحول إلى كابوس حقيقي، حيث تنال حصتك الكاملة من المخاطر بصفتك فلسطينيا، يعيش في غزة ويعمل في مهنة خطرة بطبيعتها، وبالإضافة إلى ذلك تصبح مستهدفا بشكل متعمد وبطريقة ممنهجة تتجاوز الخطورة الطبيعية التي تحملها مهنة الصحافة الميدانية.
قتل متعمد بدم بارد، وترويع واعتقالات، واستهداف لأفراد العائلة والمنازل والممتلكات، هذه هي وقائع الحياة اليومية للصحفيين في قطاع غزة، هذا إلى جانب التهديدات والاعتقالات خارجها في بقية أنحاء فلسطين، في محاولات لا تنتهي من الاحتلال لإسكات صوت الحقيقة الذي يفضح ممارساته ويُعرّي مزاعمه أمام العالم.
منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة ونحن نشهد هذا الانحياز الغربي غير المسبوق في صف السردية الإسرائيلية، وهو ما حاربه الصحفيون والمراسلون الصحفيون الموجودون داخل قطاع غزة منذ اليوم الأول، بمحاولاتهم المستمرة لكشف جرائم الإبادة العِرقية التي تقوم بها قوات الاحتلال، وهو ما تواجهه الأخيرة بدرجة غير مسبوقة من التعمد الواضح لقتل الصحفيين وترويعهم سعيا وراء طمس واقع ما يحدث على الأرض ومنع وسائل الإعلام من نشر الحقيقة.
ولا تقتصر الاعتداءات الإسرائيلية على الصحفيين في الميدان، بل تمتد إلى قصف أفراد عائلاتهم في البيوت، وهو ما عبَّر عنه الزميل وائل الدحدوح، مدير مكتب الجزيرة في غزة، بعبارته: “بينتقموا منا في الأولاد”. وكان الدحدوح قد تلقى على الهواء مباشرة، أثناء تغطيته للقصف المتواصل على قطاع غزة في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، نبأ استشهاد زوجته وأبنائه وعدد من أفراد عائلته في غارة جوية إسرائيلية، إثر قصف الاحتلال منزلهم في مخيم النصيرات وسط غزة، وهو المنزل الذي لجئوا إليه بعد قصف حيّهم وعقب دعوة قوات الاحتلال الإسرائيلية للمدنيين إلى التحرك باتجاه جنوب قطاع غزة.
هذا القصف لم يأتِ مصادفة، فقد علَّق محرر الشؤون الفلسطينية في القناة 13 الإسرائيلية تسفي يحزقيلي قائلا إن عائلة مراسل قناة الجزيرة في قطاع غزة وائل الدحدوح كانت هدفا لقصف جيش الاحتلال، مؤكدا أن قوات الجيش تعرف ما تضربه بالضبط.
ولم تكن تلك هي المرة الوحيدة التي يستهدف فيها الاحتلال الصحفيين عمدا، إذ واصلت إسرائيل استهدافها المتعمد لمنازل الصحفيين الفلسطينيين، واتسعت قائمة الجرائم لتشمل على سبيل المثال لا الحصر استهداف منزل محمد أبو حطب، مراسل التلفزيون الفلسطيني، ليستشهد مع 11 فردا من أسرته. وهناك أيضا استشهاد الصحفي في “وكالة وفا” محمد أبو حصيرة مع أكثر من أربعين فردا من أفراد عائلته، وإصابة زميله محمد حمودة في قصف استهدف منزليهما
لا يقتصر الأمر على الصحفيين أفرادا فقط، ولا على عائلاتهم، فقد قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلية أكثر من 50 مقرا إعلاميا أجنبيا ومحليا داخل قطاع غزة خلال الفترة الماضية، من بينها مكاتب عدد من المؤسسات الإعلامية في برج” الغفري” في غزة، الذي يضم وكالة الأنباء الفرنسية، وقناة الجزيرة، وقناة الشرق، والمجموعة الإعلامية الفلسطينية. كما تعطلت الإذاعات الأربعة والعشرون في قطاع غزة وتوقفت عن البث بسبب نفاد مصادر الطاقة.
وقد حذرت قوات الاحتلال بشكل مباشر بعض وكالات الأنباء العالمية من عدم قدرتها على ضمان سلامة موظفيها أثناء القصف، من بينها وكالة “رويترز” التي علقت على هذا التحذير بأنه “يهدد قدرة موظفيها على إيصال الأخبار حول الصراع دون خوف من الإصابة أو القتل”.
لا يقتصر الترويع ومحاولات تكميم الأفواه على الصحفيين في غزة، حيث شهدت الضفة الغربية موجة واسعة من الاعتقالات والمضايقات التي طالت عشرات الصحفيين الفلسطينيين. على سبيل المثال، تعرض الصحفيان مهند توتونجي وهيثم أبو دياب من فريق “بي بي سي” للاحتجاز تحت تهديد السلاح بينما كانا في سيارتهما التي تحمل علامة الصحافة.
كما اقتحمت قوات الاحتلال منازل عشرات الصحفيين في الضفة واحتجزتهم وعرَّضتهم للتنكيل والتهديد، من بين أبرزهم أمير أبو عرام، الصحفي في شبكة الإرسال، والصحفي المستقل محمد أحمد عبيد، والصحفي مصعب إبراهيم سعيد، كما ألقت قوات الاحتلال أيضا القبض على الصحفية سمية جوابرة رغم كونها حاملا في شهرها السابع، واقتحمت السلطات الإسرائيلية عددا من المطابع في مدينة الخليل وصادرت محتوياتها وأغلقتها.
ولا يقتصر الترويع وتقييد حرية الصحافة على الصحفيين الفلسطينيين فقط، بل يمتد أيضا إلى الصحفيين الإسرائيليين أنفسهم، وإلى كل صوت يجرؤ على أن يطرح سردية بديلة عن السردية الرسمية الإسرائيلية، فقد اعتقلت السلطات الإسرائيلية الصحفي الإسرائيلي اليساري يسرائيل فراي واستجوبته، مع توجيه التحذيرات له بعد كتابته لتغريديات يشيد فيها بالمقاومة الفلسطينية، لاستهدافها أهدافا عسكرية وليست مدنية، وحققت معه بتهمة التحريض على الإرهاب والعنف، وهو ما وصفته محامية “فراي” باعتباره اعتقالا سياسيا يهدف إلى الترهيب والإسكات والردع.
وللحديث بقية