د.وسيم السيسى:في حوار شامل وحصري ل” الشريان ” : الحضارة هي الفراعنة
علموا الدنيا فنون الطب والجراحة
أجرى الحوار: صلاح صيام
أستاذ جراحات مسالك بوليّة في المستشفيات الجامعية التعليمية، حاصل على (F.R.C.S) من إنجلترا وزميل كلية الجراحين الملكية في إنجلترا حاصل على (F.A.C.S) من الولايات المتحدة الأمريكية وزميل كلية الجراحين الأمريكية، باحث في علم المصريات، عضو في الجمعية الأمريكية لدراسات الظواهر الجوية (.A.P.R.O).. له أبحاث كثيرة في علم المسالك البولية وبراءة اختراع لـجهاز خاص بالمسالك، وعملية جراحية جديدة باسمه في جراحة البروستاتا المتضخمة، اختير في موسوعة “who is who” بسبب إنجازاته العلمية والفكرية لوطنه مصر..
له عدة مؤلفات مهمة منها كتاب “Medicine in Ancient Egypt” (الطب في مصر القديمة) في مكتبة الكونجرس الأمريكي (قسم الطب)، كتاب “نظرة طبية فاحصة في الحب و الجنس”، كتاب “مصر التي لا تعرفونها”، ومقالات في صحيفة “روز اليوسف” لمدة عشر سنين حتى عام 2009، ومقال أسبوعي في جريدة “المصري اليوم”، عضو روتاري جنوب القاهرة، وصاحب صالون المعادي الثقافي..
• الفراعنة لهم باع طويل وكبير فى الطب.. وضح لنا ذلك
** التاريخ يؤكد بالأدله على ريادة الفراعنة فى علاج العديد من الأمراض والأعراض التى لم يكتشفها العلم الحديث إلا بشكل قريب نسبيًا، مثل علاج النزيف الداخلى، وليس أدل على ذلك من صورة أخذت بتقنية الأشعة السينية لجمجمة مصرى قديم قد عُولج من النزيف الداخلى، وأيضًا داء البلهارسيا الذى اكتشفوه، بل واستطاعوا علاجه بأساليب مستنبطة من الطبيعة، بواسطة ما يعرف الآن “بالتحاميل”، وهى تختلف عن أساليب العلاجات الحديثة للبلهارسيا القائمة على الحقن، بما تحمله من نتائج أفضل من حيث عدم نقل العدوى.
• وهل ابتكر قدماء المصريين تقنية علاجية؟
**المصريون القدماء يعدوا أول من ابتكر واستخدام الأطراف الصناعية، والدليل الساق الصناعية المصنوعة من الأخشاب المدعمة بالمفصلات الصناعية، التى اكتشفت ضمن التراث الفرعونى والموجودة بأحد متاحف أوروبا، و أجدادنا أول من توصلوا للعملية المعروفة بإزالة المياه البيضاء، أيضًا زرع العيون الصناعية، وقد وجدت صورة تضمنت بعض النقوش الفرعونية لمشهد إجراء تلك العملية، وعن عملية ختان الذكور لم يتم إجرائها إلا لمن بلغ سن السابعة أو الثامنة أو التاسعة، كما استعانوا بالمخدر الموضعى لتخفيف الألم، وهذا يتفق مع ما وصل إليه العلم الحديث من توصيات بعدم إجراء تلك العملية لمن هم دون الثالثة؛ لما يسببه بفقد جزء من الإحساس بالعضو الذكرى، وكان لأجدادنا السبق فى معرفته,وهم لم يعرفوا ختان الإناث بتاتًا، ولكن العبرانيين هم من قاموا بنقل فكرة ختان الذكور من المصريين القدماء ثم طبقوها على الإناث، كما أن المصريين أول من حرم لحم الخنزير، وأول من قام بعملية رد للكتف المخلوع، ورد عظمة الترقوة المخلوعة، والفك المخلوع، وكانت لهم الريادة أيضًا فى استخدام نفس الأساليب التى توصل لها العلم الحديث، وهناك العديد من الصور الموضحة للأساليب المستخدمة عند المصريين وفى العلم الحديث لتقريب مدى التشابه فى الأسلوب العلاجى.
تثبيت الاسنان
• وهل كان لأجدادنا دور فى طب الأسنان؟
** كان للمصريين القدماء باع طويل فى هذا العلم، و مبدأهم فى علاج الأسنان كان الإضافة وعدم الخلع، وهناك صورا لفك قد تلقى علاج لتثبيت الأسنان والضروس بما يشبه خيوط من مادة الذهب، قد ربطت بها بغرض تثبيتها فى مكانها دون اللجوء للخلع، كما أنهم ذكروا زراعة الأسنان مبدين ملاحظتهم أن السن أو الضرس المزروع يلتئم سريعًا، إن كان المتبرع أخًا للمتبرع له.
• ذكرت أن ميثاق الشرف الطبى وضعه القدماء.. وضح لنا ذلك
** الشائع والمعمول به فى مصر وفى كل دول العالم أن القسم (أو ميثاق الشرف الطبى) الذى يؤديه خريجو الطب منسوب إلى أبقراط اليونانى، فى حين يرى علماء (أوروبيون) كثيرون أن صاحب هذا الفضل هو إيمحوتب الطبيب والمهندس والمعمارى المصرى (الأسرة الثالثة حوالى سنة 2800ق.م) مصمم وبانى هرم زوسر. وأنّ دوره فى الطب أظهرته البرديات، التى تم العثور عليها، واكتشفوا أنه أول من وضع ميثاق الشرف لمهنة الطب، خاصة العلاقة بين الطبيب والمريض وأنها سر من الأسرار المقدسة, كما تضمّن هذا الميثاق إلزام الطبيب بأنْ يكتب أنه بعد فحص المريض تبين أن تشخيص حالته تخضع لأحد الاحتمالات التالية (1) هذه الحالة أعالجها وأشفيها (2) هذه الحالة أعالجها وسأجتهد فى شفائها (3) هذه الحالة لا أقدر على علاجها ولا أمل فى شفائها كما ذكر د. سمير يحيى الجمال فى كتابه تاريخ الطب والصيدلة المصرية فى العصر الفرعونى، وكان تدوين هذه الملاحظات يتم قبل إجراء العمليات الجراحية بصفة خاصة.
تحضير العقاقير
• وهل هناك أمثلة؟
** يستدل علماء المصريات على تأثر أبقراط بالطب المصرى إلى درجة نقل برديات طبية مصرية نقلا حرفيا بما يلى: ما ذكره الطبيب اليونانى (جالينوس) من أن أبقراط نقل عن مصر طريقة تحضير العقاقير الطبية, كما اعترف جالينوس أنه نقل الكثير مما ورد فى البردية المخصصة لإزالة الآلام مثل عسر البول والبول الدموى (البلهارسيا فيما بعد) وأمراض النساء.
ونقل أبقراط نقلا حرفيا أسلوب التأكد من حمل المرأة وذلك باستخدام لبوس الثوم، حيث اكتشف الطبيب المصرى وجود اتصال بين تجويف المهبل وبقية الجسم، وفق الوصف المذكور فى بردية (كاهون) وتأسست هذه النظرية على أن المادة العطرية فى الثوم تمر من البوق إلى التجويف البريتونى إذا كان البوق سالكا ومنه إلى الرئتين فالتنفس, بل إن جدودنا توصلوا إلى معرفة نوع الجنين بوضع بول الحامل على مقدار من القمح ومقدار من الشعير، فإن نبت القمح كان الجنين ذكرا وإنْ نبت الشعير كان الجنين أنثى, أما إذا لم ينبت كلا النوعين من الحبوب فالنتيجة عدم وجود حمل.
وفى دراسة حديثة أجراها د. رشدى عمار أثبت فيها أن جدودنا توصلوا إلى أنّ بول الحامل يختلف عن بول غير الحامل وعن بول الذكور، بدليل أن الحبوب لا تنبت على بول الذكور ولا على بول غير الحوامل, وفى بردية سميث وصف عملية جراحية فى الفك السفلى من عهد الأسرة الرابعة (1900 2750 ق.م) به ثقب لتصريف صديد خراج تحت الضرس وقد استخدم جراح الأسنان فى هذه العملية آلات جراحية من البرونز, وقد نقل أبقراط هذه العملية فى كتبه حرفيا, وذكرد. سمير الجمال أن العديد من طلبة اليونان عاشوا فى مصر وأقاموا فى معابدها لدراسة الفلسفة والعلوم والفلك والطب، خاصة فى معبد ممفيس ومعبد مدينة سايس وغيرها ومنهم أبقراط وفيثاغورث وجالينوس وسولون وأفلاطون وأبيقور، غير الرومان أمثال هيكاتيوس والفيلسوف زينون والمسرحى أرستوفان، واكتشف جدودنا أن ال(ميتو) أو الأوعية الدموية عامل حيوى للصحة, وفى الشيخوخة يتحول الدم إلى جلطة ويبدأ المرض يتكون موضعيا ويحرم الدم من قدرته على مساعدة أجزاء الجسم للقيام بوظائفها، وهذا الرأى نقله أبقراط، الذى نقل أيضا أسلوب تنظيف المعدة باستخدام المسهلات والحقن الشرجية، بعد أن اكتشف جدودنا أن الإسراف فى الطعام مرهق للمعدة والأمعاء والكليتين والقلب على النحو الوارد تفصيلا فى بردية تشتربيتى وبردية إيبرس وهذه الشروح الطبية نقلها أبقراط حرفيا.
أما عن بردية كارلسبرج الطبية المحفوظة بجامعة كوبنهاجن بالدنمارك ويرجع تاريخها إلى الأسرتين 19 و20 وبها وصفات عن أمراض النساء والعيون، فقد نقل أبقراط ما ورد فيها نقل حرفيا فى مؤلفاته الطبية التى تسربت إلى التراث الشعبى فى إنجلترا فى القرن 12م وفى ألمانيا فى القرن 17م.
• حتى لا ننسى أنك طبيب .. كيف يمكن اصلاح منظومة الطب ؟
** أرى أنه يجب الاستفادة من تجارب الآخرين، وانجلترا لها باع كبير فى هذا المجال، ولهذا ينبغى على الحكومة أن تكفل للأطباء حياة كريمة بمرتبات مجزية، ووضع حاجز بين يدي الطبيب وجيب المريض، ووجود منظومة تأمين صحى شاملة.