مقالات

فكرية أحمد تدخل عالم الأقزام فى راويتها الجديدة”متر إلا ربع”

قراءة /صلاح صيام:

فكرية أحمد

قد تراهم فى المشاهد السينمائية والدرامية كمادة للسخرية والتهكم من أحجامهم الضئيلة وأجسادهم الضعيفة وقصر قامتهم، وقد تصادف بعضهم فى الحياة ولكن لا تعرف عنهم وعن ظروفهم وحالتهم الكثير.

فكرية احمد

“الأقزام” أشخاص ولدوا يعانون من قصر شديد فى القامة نتيجة لبعض الجينات الوراثية، كما يعانون من نظرات الناس لهم التى تتراوح بين نظرات الشفقة و السخرية والمعاملة السيئة، وهو ما يضاعف شعورهم بالألم، إضافة إلى أمراضهم العضوية والنفسية، ولأننا نجهل الكثير عن حياتهم , إختارت الكاتبة الصحفية والروائية فكرية أحمد الحديث عنهم فى أحدث رواياتهاالتى أطلقت عليها”متر إلا ربع” والصادرة مؤخرا عن دار النخبة للنشر والطباعة والتوزيع في 203 صفحة من القطع المتوسط   حيث ترصد معاناتهم ,لأنهم  يكونون عرضة للعقد النفسية، ومن أصعبها سوء تقدير الذات والشعور بالدونية إزاء نظرة المجتمع “الناقصة” لهم، كما أن هذه العقد النفسية قد تمتد سنوات طويلة ومبكرة لكون المشكلة تبدأ لدى القزم منذ فترة الطفولة، حيث يسخر الصغار عادة من بعضهم ببراءتهم المعهودة، لكن تلك السخرية تظل راسخة فى ذهن القزم مدة أطول، ويمكن للقزم أن يتجاوز هذه العقد النفسية فى حالة إذا ما ساعده المحيط الذى يعيش فيه على ذلك، فيكتسب مناعة ذاتية بمرور الزمن ضد سخرية الآخرين منه وهو الدور الذى يجب أن تقوم به الأسرة والمدرسة بشكل رئيسى.

وكعادتها دائما تفاجئنا فكرية أحمد بالغوص في أعماق قضايا جديدة وشائكة وربما مسكوت عنها فتأخذنا إلى عالم جديد وغريب يسكنه مجموعة من البشر ليست بالقليلة , ولكنها تعيش على هامش الحياة ,لا يشعر بها أحد ,ربما لإختلاف تكوينها وتركيبها, فملامح وجوهم غريبة, وحجم اعضائهم دقيقة مما يشكل حرجا بالغا لهم وشعورا بالضئالة يفضلون معه الإنزواء بعيدا عن مجتماتهم مما يفاقم مشاكلهم التى لا تنتهى.

وتستعرض الكاتبة عدة نماذج لاصحاب الحالات الخاصة ’ فهذة هبة الطفلة التى قضت معظم طفولتها حبيسة حجرة صغيرة فى منزل والديها لحبسها عن أنظار الاهل قبل الأغراب, ظنا منهما أنهما يحميانها من نظرات الشفقة وربما التهكم والسخرية, ولم ينتبها إلى ذكائها الفائق عن أقرانها إلا بعد تاكيدات مدير المدرسة التى مكثت فيها عدة أيام  قبل إنتقالها إلى مدرسة عادية ,لتلجأ بعد ذلك إلى عالم القراءة هروبا من واقع حاكمها وألهب حياتها بسياطه, لتواصل حياة النجاح والتفوق بعد ذلك.

وهذا كمال الطفل الذى ولد لعائلة ثرية بمواصفات خاصة أزعجت والديه فكان حرصهما على حصوله على شهادة جامعية لتعويض ما حسباه نقصا ذاتيا وعجزا لديهما فى إنجاب طفل سوى, وعندما تمرد وخرج عن تفاصيل الخطة الموضوعة بدقة طرده والده من المنزل بعد أن كال له اللعنات ولم تحرك أمه ولا أخوته ساكنا لتستمر حياته ويصل فى النهاية إلى محام ناجح يشهد له الجميع,بالطبع بعد سلسلة من المفارقات التى لا تخلو من الحبكة الدرامية, ونقل المشاهد للقارئ وكأنه يعيشها ويتفاعل مع شخوصها بل وينحاز لهم ويتعاطف مع قضيتهم العادلة,وربما يذرف قطرات من الدموع عندما يصل المشهد إلى نهايته ,يحدث ذلك كله بمنتهى الإنسابية والسلاسة,فلا تشعر بالملل والرتابة ,بل دائما تعيش فى حالة شوق وشغف لمتابعة الأحداث المتلاحقة المتسارعة.

وتدخل بنا الكاتبة “عالم الأقزام”,لنغو ص فى أعماق أصحابه  ,ونستمع إلى خلجات صدورهم, وآهات نفوسهم ,وأنات قلوبهم من نظرة المجتمع الظالمة لهم,ومعاملتهم كأشباح أو مسوخ ينبغى الإبتعاد عنها, والتنمر عليها ,او إستخدامهم كورقة إنتخابية كما فعل أحد المرشحين بهم, أو العبث بها, عندما أراد أحد الأطباء تجربة دواء جديد عليهم بزعم مساعدتهم فى الوصول إلى الشكل الإنسانى الطبيعى, وكانت النتيجة موت الكثيرين منهم دون ذنب أو جريرة.

وتستطرد الكاتبة معلقة على هذة الحادثة قائلة”علينا جميعا أن نخجل من أنفسنا ,وأن نحاسبها بلا رحمة أو تهاون ,فنحن لم نتعامل معهم كبشر لهم كل الحقوق ,بل تعاملنا معم كنفايات ,تنكرنا لهم كمشرعين ,ومن بعدهم جاءت جميع السلطات الاخرى,لم تراع فيهم الله,فكان بديهيا أن يراهم تجار الموت مجرد جرزان للتجارب .

وتعد «متر إلا ربع»  العمل الأدبي الرابع عشر للروائية فكرية أحمد، فقد صدر لها من قبل:

مملكة العبيد، قلوب في طواحين الهواء، بلا رجال أفضل، بائعة الورد، كورونا في سوق البغاء، سر الرجل و الكلب، لغز الحقيبة الزرقاء، سر الجاسوس الأخرس، لغز الطائرة المخطوفة، الملكة والأفاعي، تعاويذ عاشق الدم، محاكمة الحجر الأسود، جثة ستيفان محمد.

 

اظهر المزيد

صلاح فضل

جاهدنا واجنهدنا لمواصلة مسيرتنا الصحفية عبر (بوابة الشريان) للعام الخامس على التوالي مع اقتراب حلول العام الجديد 2024 حرصا منا على تقديم خدمة صحفية ملتزمة بالدقة والموضوعية فيما طرحناه ونطرحه منذ بداية تحملنا تلك المسؤلية انطلاقتها في 2019 وهذا الالتزام جعلنا أصحاب رؤية صائبة في كل ما قدمناه من خبرات عالية من خلال استقطاب كبار الكتاب والصحفيين المتميزين ممن ساهموا وتعاونوا بحب وتفان دون اي مقابل مادي سوى الحب المتبادل فقط لاغير وهم لا يأ لون جهدا لاستكمال هذه المسيرة واسرة التحرير تقدر جهودهم الجبارة في بلاط صاحبة الجلالة فهنيئا للقراء الأعزاء والجديد في هذه النسخة اضافة (قناة الشريان) تضم حوارات ومنوعات وافراح وما يستجد من فيديوهات مختلفة ومبتكرة
زر الذهاب إلى الأعلى