طرح رئيس الحكومة الإسرائيلية ((أريئيل شارون)) خطة فك الارتباط من جانب واحد في عام 2003 تجاه قطاع غزة. واستمرت سياسة ((اسرائيل))في السيطرة عليه، والتحكم فيه برًّا وبحرًا وجوًّا من خلال غلافه الخارجي.
أما سياسة ((إسرائيل)) تجاه سلطة حماس في القطاع منذ سيطرتها عليه في عام 2007، مبنية على دوافع الحصار الشامل الذي فرضته عليه، وعلى عمق الأزمة الإنسانية التي سببها الحصار الإسرائيلي، وعلى سياستها تجاه مسألة إعادة إعمار قطاع غزة،وعلى رؤيتها لمسألة التسوية بينها وبين سلطة “حماس” في القطاع ذاته. ومنذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة بعد معركة ((طوفان الاقصى ))الباسلة في7أكتوبر2023، حدد رئيس الحكومة الاسرائيلية ((بنيامين نتنياهو)) أهداف الحرب، معتبرا أن أبرزها القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وتدميرها بالكامل.وتكررت التصريحات لاحقا منه ومن مسؤولين آخرين ظلوا يتحدثون بشكل يبدو واثقا، وربما متعجرفا، بأنهم سيحققون هدفهم في النهاية ويدمرون حركة المقاومة التي لا تمتلك ما يمتلكون من طائرات ودبابات وصواريخ.لكن بعد مرور نحو 11 أشهر من الحرب، تغيرت اللهجة، وبات العديد من القادة الاسرائيليين سواء سياسيين أو عسكريين يعترفون ب((أن الهدف المتمثل في القضاء على حماس ليس واقعيا، بل خياليا وأقرب إلى الأماني التي اصطدمت ببسالة المقاومة رغم فارق الإمكانيات)).ولم يكن تصريح الوزير المستقيل من مجلس الحرب وزعيم حزب معسكر الدولة ((بيني غانتس)) الذي أطلقه مختلفا عن تصريحات أخرى سبقته سابقا مفادها ((أن حماس فكرة لا يمكن تدميرها، وإن كان من الممكن إضعافها)).وكان قد صرح بذلك الأمر من قبل زميله في الجيش وفي العمل السياسي((غادي آيزنكوت))عندما ذكر((أن حماس فكرة ستقاتلها إسرائيل لسنوات عديدة قادمة)).
وقد تناغمت تصريحاته مع تصريحات((دانيال هاغاري))المتحدث باسم الجش الإسرائيلي خلال مقابلة مع القناة الـ13 التي تعتبر قناة معارضة لنتنياهو وأقرب لليسار الإسرائيلي، إذ أكد فيها ((استحالة تدمير حماس))، مشددا على ((أن حماس فكرة لا يمكن تدميرها)).
واعتبر هاغاري أن “الحديث عن تدمير حماس هو بمثابة ذر للرماد في أعين الجمهور، وذلك لأنها مغروسة في قلوب الناس”، وأن “حماس فكرة، لا يمكنك تدمير فكرة، يجب على المستوى السياسي أن يجد بديلا لها وإلا فستبقى”. وفي الاتجاه المقابل اعتبرت حماس أن الفكرة التي تحدث عنها هاغاري هي المقاومة “التي تنشأ كلما وُجد المحتل، وتظل تتصاعد وتتجدد على قدر أهل العزم، حتى تنتصر على عدوها، أي حتى تدحر الاحتلال، وتطهر البلاد من رجسه”.
وفي ذلك يقول عضو المكتب السياسي لحماس ((عزت الرشق)) “أكثر من 100 عام والانتداب ثم الاحتلال يحاول القضاء على هذه الفكرة، واليوم يقرّون صراحة أن محاولاتهم كلها فشلت، وأنهم عاجزون أمام المقاومة”.ويشير الرشق إلى أن “هذا الإقرار هو توثيق لهزيمة نفسية وفكرية إستراتيجية، تتزامن مع هزيمة ميدانية غير مسبوقة”. وفي هذا الاتجاه أكد ((غلاس لندن ))الضابط المتقاعد من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، في تصريحات نقلتها صحيفة ((نيويورك تايمز)) الأميركية قوله إن “المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل، والتي تتجلى في حماس وغيرها من الجماعات المسلحة، هي فكرة بقدر ما هي مجموعة ملموسة من الناس، لذا فبقدر الضرر الذي قد تكون إسرائيل قد ألحقته بحماس، فإن الحركة لا تزال تمتلك القدرة والمرونة والتمويل وطابورا طويلا من الأشخاص الذين ينتظرون الانضمام لها، بعد كل هذا القتال والدمار وهذه الخسائر في الأرواح”. الفكرة نفسها أكدها ((روبرت بيب))، عالم السياسة الأميركي والمحاضر في شؤون الأمن الوطني والدولي، في مجلة ((فورين أفّيرز))الامريكية حيث قال ((إن إسرائيل، بعد 9 أشهر من حربها الجوية والبرية في غزة، لم تهزم حماس، كما أنها ليست على وشك هزيمتها، بل على العكس من ذلك، فقد أصبحت حماس أقوى مما كانت عليه قبل هجوم طوفان الأقصى)).وأشار بيب إلى ((أن إسرائيل فشلت في فهم مصادر قوة حماس، فقوة حماس)) -ووفقا له- ((لا تأتي من العوامل المادية النموذجية التي يستخدمها المحللون للحكم على قوة الدول، بل المصدر الأكثر أهمية لتلك الحركات هو القدرة على التجنيد، وخاصة قدرتها على جذب أجيال جديدة من المقاتلين والعناصر الذين ينفذون الحملات القاتلة وعلى استعداد للموت من أجل القضية.وهذه القدرة على التجنيد متجذرة، في نهاية المطاف، في عامل واحد هو حجم وشدة الدعم الذي تستمده المجموعة من مجتمعها))، والكلام لا يزال لعالم السياسة الأميركي ((روبرت بيب)).ولا يمكن في هذا السياق إغفال ما ذكرته صحيفة “إسرائيل اليوم” من أن البيانات المقدمة إلى أعضاء الكنيست تشير إلى عدم انهيار حركة حماس في قطاع غزة، بل إنها تمكنت من الحفاظ على قوتها.وأخيرا قال مدير الاستخبارات البريطانية يوم السبت الموافق7/9/2024((ريتشارد مور)) إن حماس حركة وفكرة ولا يمكن قتلها إلا بفكرة أفضل منها، معتبرا أن الفلسطينيين يحتاجون بديلا أفضل.وأشار مور إلى أن القدرات العسكرية لحماس تعرضت لتدهور شديد، لكن لم يتم القضاء عليها.وجاءت مواقف مور من خلال مقال مشترك مع مدير المخابرات المركزية الأمريكية سي آي أيه، ((ويليام بيرنز)).
مقال.. أ.د.جاسم يونس الحريري بروفيسور العلوم السياسية والعلاقات الدولية للاتصال بالكاتب:[email protected]