الصراع على السلطة في قطر حقيقة أم وهم؟
ام تكن الصراعات داخل الأسرة الحاكمة في دولة قطر وليدة المرحلة، بل تعد متجذرة في تاريخ الإمارة القطرية التي تأسست وسارت على نمط واحد من الانقلابات، وهو ما يؤكد غياب وسيلة تحكم انتقال السلطة في الإمارة القطرية، وتؤكد أن مسألة الانقلابات تعد إحدى أدوات الصراع داخل الأسرة الحاكمة منذ تأسيس الإمارة وحتى عام 1995،
عندما انقلب ((حمد بن خليفة)) على والده، والذي سبق الانقلاب حالة من التمرد من قبل حمد على سياسات وقرارات والده خليفة، وهو ما أوقع والده في حرج كبير أمام الدول الخليجية، خاصة في ظل محاولات حمد ومحاولة التصعيد فيما يخص قضايا الحدود خاصة مع مملكة البحرين، والتصعيد إلى محكمة العدل الدولية.وبالتالي، يمكن القول إن الإمارة القطرية شهدت طوال فترة تاريخها ما يمكن تسميتها بحالة من المد والجذر فيما يتعلق بعلاقة الأسرة الحاكمة ببعضها وحتى داخل الفرع الواحد من الأسرة الحاكمة، وعلى سبيل المثال يمكن النظر للحادثة المشهورة بأنها تعد مثالا على ذلك عندما قام حمد بن خليفة بسجن الابن الأكبر له مشعل بن حمد 20 عاماً، عندما رفض ما قام به والده من الانقلاب على جده خليفة بن حمد. وتحت عنوان “قطر بدون تميم”، قدَّم الخبير الأمريكي ((سايمون هندرسون)) مدير ((برنامج الخليج وسياسة الطاقة)) في ((معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى))،
سيناريوهات مستقبلية للحكم في قطر حال شغور مقعد الأمير ((تميم بن حمد))في8يوليو2020، منطلقًا من عرضٍ لتاريخ الخلافة في أسرة آل ثان، وأبرز الأسماء المطروحة لخلافة تميم. تشير الدراسة إلى أن أسرة آل ثان تضم حاليًّا نحو 5 آلاف فرد راشد ويمكن تقسيم هذه الأسرة إلى عدة فروع رئيسية وفروع ثانوية. وخضعت قطر لحكم فرع جاسم، وبشكل أساسي فرع عبد الله، لما يقرب من 150 عامًا. وتركزت المنافسة ضمن هذا الفرع بين الفرع الثانوي المنحدر من الفرع الثانوي المنحدر من حمد، لكن هذا الأخير يهيمن الآن على الدولة. وتشمل فروع آل ثان الأخرى، أحفاد إخوان جاسم آل ثان، وبشكل رئيسي أحمد وجابر. وكانوا جميعًا أبناء محمد بن ثان بن محمد الذي عاش بين 1788 و1878 . تشمل أسرة قطرية مرموقة أخرى أحفاد عبد الله بن علي العطية، وكانت والدة الأمير حمد بن خليفة من أسرة آل عطية وتوفيت بعد ولادة حمد مباشرة، ممَّا أدى إلى تربيته على يد أحد أخواله.ويعتقد أن جميع أعضاء سلالة آل ثان يتلقون رواتب حكومية. بالإضافة إلى ذلك، يعتقد أنهم ممثلون في مجلس الأسرة الذي يصادق على الحكام القطريين الجدد. ولكن في الوقت الحاضر، يبدو أن أحفاد حمد بن عبد الله هم المؤهَّلون فقط لأن يصبحوا أمراء. لم تطبِّق قطر نظام البكورية -خلافة الابن الأكبر- فتميم هو الابن الرابع لحمد، ووفقًا لدبلوماسيين غربيين لم يحظ الابن الأكبر، مشعل بن خليفة بوظيفة حكومية على الإطلاق، في حين أن ابنه الثاني، فهد، اعتزل الحياة العامة وفقًا لتقارير إعلامية، أمَّا جاسم الابن الثالث فكان أول من حمل لقب ولي عهد وشغل منصب أمير البلاد بالإنابة لعدة أشهر خلال عامي 1996 و1997 حين خضع والده لعملية زرع كُلْيَة. ولكن في 2003، تنحَّى جاسم طوعًا لصالح شقيقه تميم، حيث لم يكن جاسم متحمسًا لمسائل الإدارة والمتطلبات المرافقة لها لحل الخلافات العائلية لآل ثان. توجد عوامل تجعل المناخ العام في قطر مهيَّئًا في أي لحظة لانفجار وتغييرات تطال نظام الحكم وكما يأتي:-
1.– تَنَامِي حالة السخط داخل قطر من منح سلطات “سيادية” للأتراك حيث السماح مسبقًا للطيران العسكري والمدني التركي بأن يستخدم الأجواء القطرية بحرية مطلقة، ومن دون أي إذن مسبق ومع إعفاء كامل من أية رسوم، وهو الأمر ذاته الذي ينطبق على المياه الإقليمية والمناطق البرية.
2.– الغضب داخل أسرة آل ثان إزاء احتضان الدوحة لعناصر جماعة الإخوان المسلمين وقيادات مطلوبة في قضايا إرهاب.–التنكيل بأبناء قبيلة ((آل غفران)) وسحب الجنسية منهم، وهو أمر مستمر منذ معارضة القبيلة لانقلاب ((حمد بن خليفة)) على والده، واستمر الوضع مع وصول تميم إلى الحكم حيث أدى رفض القبيلة الانصياع لأوامر السلطات إلى توجيه انتقادات إلى المملكة العربية السعودية.وطرح هندرسون في دراسته عددًا من السيناريوهات المحتملة لفراغ السلطة في قطر ومنها الإطاحة بتميم من السلطة بالقوة أو مقتله خلال الانقلاب أو الاستيلاء على الحكم أثناء وجود تميم خارج البلاد، أو حال عجز تميم. تتبع قطر نظام حكم وراثيًّا في أسرة آل ثان، حيث نصت المادة الثامنة من الدستور على أن يتولى الحكم الأبناء الذكور من ذرية حمد بن خليفة آل ثان، ويكون اختيار ولي العهد من بين أبناء الأمير بدون تحديد ترتيبه من بين الأبناء، أما إذا لم يكن للأمير أبناء ذكور فإن ولاية العهد تنتقل إلى من يسميه الأمير وتكون الوراثة بعد ذلك في ذرية ولي العهد، ويشترط في ولي العهد المختار أن يكون مسلمًا ومن أم قطرية مسلمة. وعلى هذا الأساس يثير أي فراغ محتمل في السلطة بقطر -بشكل تلقائي- حالة من الصراع داخل الأسرة الحاكمة، ويفرض تساؤلات حول أبرز المرشحين لخلافة تميم وبالقدر ذاته حالة من الغموض حول معايير ترجيح كِفَّة شخصية على أخرى لتولِّي الحكم.
كاتب المقال أ.د.جاسم يونس الحريري بروفيسور العلوم السياسية والعلاقات الدولية