صلاح صيام:
كان شهر رمضان وما زال شهر الطاعة وموسم من مواسم النضال في علاقة الأمة بربها فوقعت أعظم الفتوحات الإسلامية والمعارك الفاصلة في تاريخ الأمة في شهر رمضان، واكتملت مكونات الشخصية الإسلامية المتزنة عبر هذا الشهر الكريم، وتأثر المسلمون تأثراً كاملاً بالقرآن الكريم الذي يحث المسلمين في هذا الشهر العظيم على مكارم الأخلاق في أخطر الميادين وهو ميدان الحرب والجهاد، فحمل المسلمون على عاتقهم رسالة إلى كل الأجيال البشرية من المحبة والتسامح وعقلاً مفكراً وقلباً يدرك واقع هذه الأمة التى حققت انتصارات رائعة مازالت مرتبطة في أذهان المسلمين بداية من معركة بدر مروراً بمعارك عديدة وأشهرها فتح مكة والقادسية وفتح مصر والأندلس وحطين وعين جالوت وقم تم العبور في شهر رمضان.
ومن يتصفح كتب التاريخ أو يقلب أوراقه يجد نفسه أمام صفحات مشرقة من التاريخ في هذا الشهر من الأحداث والبطولات التي نعلمها والتي لا نعلمها التي تتسم بأحداث عظيمة على قدر فضل شهر رمضان لعل من أبرزها:
غزوة بدر الكبرى
وقعت في شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة، خرج المسلمون بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم ليعترضوا قافلة لقريش آتية من بلاد الشام يقودها أبو سفيان بن حرب، ولكن أبا سفيان علم بذلك فغير الطريق إلى الساحل، وهذا استفز أهل مكة فخرجوا لمحاربة المسلمين، والتقى الجمعان في بدر في السابع عشر من رمضان ونصر الله ـ عز وجل ـ رسوله والمؤمنين، رغم قلة عددهم وعدتهم ، فكان عددهم حوالي ثلاثمائة وسبعة عشر، وكان المشركون أكثر من تسعمائة وخمسين ورغم أن المسلمين كانوا صائمين حققوا نصراً بفضل هذا الشهر الكريم، وارتفعت معنويات المسلمين وعلت مكانتهم بين مختلف القبائل البدوية، وخسرت قريش جزءاً من مكانتها وأخذت تعد للثأر والانتقام، وكانت غزوة الفرقان لأن في هذه الغزوة فرق بين الحق والباطل وأعز هذه الأمة في هذه المعركة في هذا الشهر الكريم، رغم قلة عددهم فأصبح المسلمون بعد غزوة بدر قوة خارقة يهابها الأعداء ولا يتجرءون عليها .
فتح مكة
ومن الفتوحات العظمى التي تمت في شهر رمضان فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة، وتحقق أكبر فتح للمسلمين فبعد أن نقضت قريش الصلح الذي عقدته مع المسلمين في الحديبية وساعدت قبيلة بكر في حربها ضد خزاعة، وأحست قريش بخيانتها ذهب أبو سفيان إلى المدينة ليقوم بتجديد الصلح مع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويزيد في مدته ولكنه فشل في ذلك وعاد إلى مكة خائباً، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد عزم على فتح مكة فأخذ يعد العدة في سرية وخفاء، وفي العاشر من رمضان في السنة الثامنة من الهجرة تحرك عشرة آلاف صحابي تحت قيادة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لفتح مكة وخرجوا من المدينة وهم صائمون، وفي الطريق إلى مكة قابل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ العباس مهاجراً مع أهله إلى المدينة، فصحب العباس الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سيره إلى مكة، بينما صار أهله في طريقهم إلى المدينة، وتحرك الجيش بقيادة النبي إلى مكة وأكرمهم الله عز وجل بالعزة والنصر وقسم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الجند إلى عدة أقسام، فسار الزبير بن العوام بجزء من الجيش، وانطلق سعد بن عبادة بقسم آخر، وأخذ علي الراية، ودخل خالد بن الوليد من جانب آخر، وصار الجراح بين يدي الرسول حتى نزل على مكة، ولم يلق المسلمون مقاومة عند دخولهم مكة سوى بعض المناوشات بين خالد بن الوليد وبعض رجال قريش.
وبعد أن هدأت أوضاع الناس دخل النبي المسجد الحرام وطاف بالبيت، وفي يده قوس وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً فأخذ يطعنهم بالقوس، وأخذ الرسول مفتاح الكعبة من عثمان بن طلحة وفتحها ثم دخلها وحطم الأصنام وصلى داخلها، وخرج فوجد المسجد قد امتلأ بأهل مكة ينتظرون مصيرهم فخطب فيهم:”يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا :خيرا أخٌ كريم وابن أخٍ كريم”، قال:”فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته لا تثريب عليكم اليوم.. اذهبوا فأنتم الطلقاء”، ثم أعطى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ مفتاح الكعبة لعثمان بن طلحة، وتم فتح مكة وكان لهذا الفتح أثر كبير في تاريخ البشرية، فقد قضى على عبادة الأوثان والأصنام في مكة تماماً، وتسابقت الشعوب والقبائل إلى الدخول في الإسلام، ووضع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الأسس الخالدة التي قامت عليها الفتوحات الإسلامية مثل : العفو والصفح عند المقدرة .
معركة البويب
ومما لا شك فيه أن من أهم المعارك الفاصلة في تاريخ الأمة معركة البويب التي حدثت في سنة 13 من الهجرة، عندما سمع أمراء بلاد فارس بكثرة جيوش المثنى بن حارثة بعثوا إليه بجيشٍ مع أحد قادة بلاد فارس، ويسمى مهران والتقيا في مكان قريب من الكوفة اليوم، وبينهما الفرات ويسمى البويب، وأرسل قائد الجيش الفارسي رسالة إلى المثنى بن حارثة وتنص هذه الرسالة :”إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم”، فقال المثنى بن حارثة “اعبروا”، فعبرا قائد الجيش الفارسي مهران فنزل على شط الفرات، فكان ذلك في شهر رمضان سنة 13 هجرية.
عزم المثنى المسلمين على الإفطار في نهار رمضان حتى يكونوا قادرين على مواجهة العدو، فنظروا عن آخرهم وخرج يطوف في الجيوش، ويحثهم علي الصبر والجهاد وقال المثنى لهم :”أن نكبر ثلاث تكبيرات فتهيؤا فإذا كبرت الرابعة حملوا السلاح”، فلما كبر أول تكبيرة عاجلتهم الفرس فحملوا على القتال الشديد. ورأى المثنى خللاً في بعض الصفوف فبعث رجلاً يقول:”الأمير يقرئكم السلام ويقول لكم لا تفضحوا المسلمين اليوم، فاعتدلوا ومن الله عليهم بالنصر” فلما طالت مدة الحرب جمع المثنى جماعته من أصحابه الأبطال ليحموا ظهره ، وبعد حيل عديدة من الله على المسلمين بالنصر وغنموا مالاً كثيراً وبعثوا به إلى عمر ولقد قتل في هذه المعركة عدد كبير، وأذلت هذه حدالمعركة رقاب فارس، وتمكن الصحابة من مواصلة الفتوحات فغنموا مغانم عظيمة لا حصر لها .